الكاسر الفلسطيني
15-10-2005, 03:09 AM
العودة إلى خط البداية
مرحبا بكم .. وأنا سعيد بلقائكم .
منذ يوم أمس، وأنا منشغل التفكير في كيفية
تنظيم خلية حزبية ناجحة. . فلقد اخذ التفكير
الإستراتيجي وقتنا خلال الفترة الماضية بحكم
النضال من اجل الأمة وموجباته حتى اعتدنا
عليه . . وغني عن القول بآن هذا النمط من التفكير
لا يتناول مفردات تفصيلية مثل كيفية تنظيم خلية
ناجحة. . انما ينصرف غالبا إلى قضايا من نوع
الطريقة التي تعالج الوضع العربي بوجه عام ،
وتغييره من الحالة التي هو فيها نحو حالة أفضل. .
أو ينصرف إلى كيفية تحويل الثروة العربية إلى ثروة
حية، أي إلى ثروة تأتى أكلها داخل الوطن لصالح
الجماهير الغفيرة ولصالح الأجيال الآتية ، وتضمن
للعرب أمنا دائما، وتقدما حقيقيا ، بدلا من أن
تذهب نهبا للأجانب ، أو تصرف على التوافه من
الامور او تكون حكرا على فئة قليلة في العدد..
ويتصل بهذه القضية ذ1ت الطابع الستراتيجى
موضوعة إحكام الصلة بين مفاهيمنا الاجتماعية ،
في تحقيق العدل، والمساواة، وبين ثروة الأمة
وهكذا تجدون أن موضوع بناء خلية حزبية
ناجحة، يعني العودة بنا إلى مرحلة البداية التاريخية
لحياتنا الحزبية ، فالانسان ألبعثي في المرحلة الأولى
من حياته الحزبية سواء كان عضوا أو نصيرا يشغل
نفسه دائمأ بكيفية تكوين خلية حزبية ناجحة ، وان
الرفاق ، في بلدكم العراق يمتلكون قدرة وتجربة في
هذا المضمار. . إن موضوعة الخلية الحزبية التي قد
تبدو هامشية على قياس مسؤولية القيادة القومية إذا
ما نظر للأمر نظرة تقليدية، فهي شيء أساسي في
الواقع، بل هي جوهر النجاح في عملنا الحزبي،
فنحن إن لم نستطع أن نبني خلية حزبية ناجحة، لا
يمكن لأي تفكير إستراتيجي مهما كان نصيبه من
الصواب، إلا أن يبقى في حدود التنظير المكتوب في
احسن حالاته . . فهو قد يقرأ، وقد لا يقرأ،أما
العمل الحزبي بواسطة خلايا نشطة بين الجماهير
فهو الذي يتيح للفكر أن يكون عمليا ، أي أن
يتفاعل مع الواقع ويؤثر فيه ، وينقل الفكرة ذات
الطابع الإستراتيجي من المرسل، وهو القيادة، إلى
الوسط المتفاعل، وهو عموم الجماهير، وهكذا
ترون أن علينا دائما أن نستخلص الإجابة
الصحيحة لسؤال مفاده، كيف نبني خلية حزبية
بعثية ، مؤمنة ، وناجحة ؟
من هذا المنطلق أعود إلى الكلام الذي ذكرته يوم
أمس في اجتماع القيادة القومية ، حيث استعرضنا
جانبا من تاريخ الحزب في بعض أجزاء الوطن
العربي، واستذكرنا انه كان لدينا في العام 1963
تنظيم على مستوى شعبة في كل من الكويت
والبحرين، واليمن . . بينما كان لنا تنظيم على
مستوى فرقة في كل من الجزيرة العربية (السعودية
وقطر) أما في المغرب العربي فقد كان لدينا تنظيم
على مستوى شعبة ، في ليبيا ، وكانت كافة هذه
التنظيمات تدار من قبل فرع واحد هو فرع الحزب
للطلاب العرب في مصر.
لكن الأمور الآن قد تراجعت ، ولاسيما في أقطار
الخليج العربي، رغم أن هنالك فاصلة زمنية طويلة
منذ العام 1963.حق اليوم، وكان ينبغي أن تتطور
الأمور فيها نحو الأفضل . . ولنجعل استذكارنا
للوضع التنظيمي لحزبنا كمدخل محفز، لأتحدث
عن جانب من تاريخ الأنبياء، صلوات الله وسلامه
عليهم ، وكيف بدءوا يبشرون برسالاتهم بتكليف
من رب السموات والأرض ، بتكوين خلايا
بادئ ذي بدئ، ثم أصبحت الخلايا مجتمعات
كاملة تدين بالرسالات التي بشروا بها . . لقد
اصبحت الخلية التي ضمت أبا بكر وعليا والحمزة
وآل ياسر وغيرهم من اوائل الصحابة دينا يغطي
مساحة واسعة من المعمورة . وهكذا رأينا أن ليس
أمامنا من سبيل إلا أن نركز، كما ذكرت يوم امس ،
ليس على الفكر بمعناه العام وحده، وليس على
السياسة بمعناها العام وحده ، وإنما قبل هذا على
التنظيم الذي ينقل الفكر والسياسة، كما نراها، إلى
حيز التطبيق، كما انه ليس بالضرورة أن يضخ
الفكر بكل عناصره إلى الساحة دفعة واحدة ، انما
يمكن أن يجيء تباعا مع تطور التنظيم وصيرورة
الواقع. . بل أن الفكر يغني نفسه ، ويتطور من
تلك الصلة الحية والدائمة مع الواقع كما يحسه
ويتفاعل معه التنظيم الحزبي .
إن السيد المسيح ، عليه السلام ، لم يفض بكل
وصاياه إلى أول خلية كونها ، بل كانت هذه الوصايا
ترد تباعا ، وقد استغرقت حياة السيد المسيح «ع »
كلها ، كما عبر عن ذلك الانجيل ، وبعد ما يقرب
من ستة قرون ونصف فأن الآيات القرآنية،
والأحاديث النبوية الشريفة قد استغرقت حياة
الرسول كلها من البعث حتى وفاته، وعلى
مدى ثلاثة وعشرين عاما.
فالإنسان، إذن، ليس بحاجة لان يطلع على
كل ما هو تفصيلي وشامل ليغدو ومؤمنا ، وانما حسبه
أن يطلع على اللبنة الأولى ، أو على ما يتضمنه خط
البداية من أفكار ليأخذ الإيمان مجراه، وان المرحوم
مؤسس حزبنا قد ذكر مرة ,,1ن الإيمان يسبق المعرفة ،
بل هو الدافع إليها » إذن، فأن خط البداية، أو
الينبوع الأول لمجرى الإيمان الذي يفضى إلى الهداية
هو النموذج . . ولقد اختار الله ، سبحانه وتعالى ،
الأنبياء على أساس الصفات الأساسية التي ينبغي
أن تتوافر في شخصية المؤمن الجديد ، كما يريده
سبحانه ، والتي توافرت في شخصية كل منهم
ابتداء، وهكذا تبدأ الحياة بخط للبداية صحيح
وبنموذج صادق، ومؤمن، ومضح، ثم شجاع،
فالشجاعة عند الأنبياء مصدرها الإيمان ، وليست
هي بالشجاعة التي تكونت خارج هذا الإطار.
وعلى أساس من إشعاع هذا النموذج كانت
المجتمعات المؤمنة تتكون . .
أما بصدد التزوير الذي أشير إليه مما يقع في
قطركم، فأن التزوير سوف يستمر، لأنه وجد منذ
بدء الخليقة، حيث كان هنالك التمرد على الطيب
من الأمور، وعلى ألحسن من السلوك، وعلى
الصحيح من القياسات ، وبجانب رعيل المؤمنين
كان يعيش رعيل المتمردين، انه الصراع الأزلي بين
الخيروا لشر، ونحن نعرف انه منذ أن خلق آدم
وحواء فان الشيطان كان ثالثهما0، وكان في قدرة
الرب ، سبحانه ، وهو القادر على كل شيء أن لا
يخلق الشيطان ، لكنه خلقه لحكمة عنده سبحانه
و تعالى ، ومن بينها أن يبلو خلقه بالخبيث إلى جانب
الطيب. . لكي يكون اختيارهم حاسما ، لأي من
الطريقين . . ولينالوا نتيجة هذا الاختيار ثوابا أو
عقابا.
أما كيف حال التزوير الآن ؟ وكيف حال الإيمان
الآن ؟ فهذا هو السؤال الذي ينبغي طرحه ، فبعد كل
تجاوز لمخاضه، أو أعماق، تقدم فيه التضحيات
السخية مثل هذه التي قدمت وتقدم في أم المعارك،
لابد أن نطرح هذا السؤال، ليس على مستوى
العراق وحده، وإنما على مستوى الوطن العربي
كله، وفيما يتعلق بالعراق فقد كانت هناك
تضحيات كبيرة ، ولكن هل كان بإمكاننا ان
نتفاداها كلها أو بعضها؟ الجواب، نعم ولا، كان
ذلك بوسعنا ، ولكن مقابل أي ثمن ؟ ووصولا إلى
أية حال ؟ ونحو اية بغية ؟ .
إن أفضل ما يمكن تحقيقه في حالة النكوص عن
المبادئ هو أن نصبح نظاما قد توجد فيه بعض
الميزات النسبية على نظم أخرى . . ومرة أخرى
نسأل، هل بوسع النظام أن يحل مشاكل الأمة ؟
وهل هذا هو طريق البعث ومبتغاه ؟ وهل يتفق هذا
مع ما آمنا به من مبادئ وغايات ؟
ليس هنالك من احد بين الذين يقودون الثورة
كان أبوه ملكا، او وزيرأ ، ليأخذ المنصب بالوراثة ،
إنما الجميع من وسط الناس ، إذن ، فأن الذي اوجد
العناوين الرسمية لهذا الرفيق أو ذاك هو البعث،
وان الذي هيأ الفرصة لهذا او ذاك ، ليكون حيث هو
في سلم السلطة هو البعث، فالتخلي عن البعث
معناه التخلي عن الأخلاق، وليس عن المبادئ
وحدها، لأنه نكوص عن وعد ونكث بعهد، ولأنه
ينطوي على صورة واضحة من سوء الخلق . .
لذلك لا نريد أن نتعامل مع الحياة، من زاوية أننا
نظام، حتى عندما يتقدم النظام الذي نسعى له على
نظم اخرى . . إنما نريد أن نتعامل مع االحياة مثلما
تعاملنا معها عند خط البداية ، حينما كنا بعثيين
صغارا في السن، وفي أدنى السلم الحزبي، ولكننا،
كنا مؤمنين بأمتنا، وبرسالتها، ودورها
وكل رسالة هي دور، وإن رسالة الأمة العربية
هي نضال مستمر، عبر كل حقب التأريخ، من
أجل دور حقيقي لها تجاه. نفسها، وتجاه الإنسانية من
حولها
وهكذا كان علينا أن نرفض المرفوض مع كل
المغريات التي تبدو ظاهرة فيه ، وفي مقدمتها راحة
الحكام ، أي راحة أنفسنا على الطريق التقليدي لما
يعتبره حكام اليوم فى الوطن العربي بأنه راحة لهم ،
و توفير التضحية، وان نتحمل بدلا من ذلك عبء
الجهاد مع كل ما ينطوي عليه من تضحيات جسام.
كان المطلوب إذن أن تستمد رسالتنا في هذه
المراحل من تأريخ الأمة روحها من رسالات
السماء، ، مع أنها ليست رسالة سماوية ، ومع إن قادتها
ليسوا من الأنبياء ، ولن يكونوا ، لان سيدنا محمد
كان خاتم الأنبياء والمرسلين ، ولكنها رسالة
ذ1ت صلة وشيجة بما تمخضت عنه هذه الارض ،
وفيما هل عليها من نور السماوات، إنها صلة الفكر،
وصلة النسب ، وصلة البيئة الجغرافية والاجتماعية
الواحدة ، وصلة التأريخ ، وصلة الوارث الشرعي
بالموروث. . وينبغي الإشارة هنا إلى أن الكثير هن
الأنبياء قد جاءوا، وبشروا، ورحلوا، لكنهم لم
يستطيعوا إبلاغ الرسالة إلى ابعد من محيطهم العائلي
أو محيط قريتهم الصغيرة ، كان حسبهم أن يبذروا
البذرة، وكانت هذه البذرة، تنمو، وتترعرع،
بجهد من غيرهم، يأتي بعدهم، ليكمل ما بدءوه.
ولقد كانت هذه المعاني حاضرة أمامنا، وكنا
نقول إذا كانت التضحية والمشقة طريقا لابد منه من
اجل أن تحقق رسالة البعث أهدافها، ومن اجل أن
تنال امتنا وشعبنا استحقاق الحياة ودور الرسالة،
فلابد أن نتحمل كل مخاطر الطريق ونتائج السير
فيه، ومن ذلك أن نواجه التزوير بشجاعة مهما
طغى.
على أن اخطر ما في التزوير هو التداخل الذي
كان موجودا في الخنادق والمفاهيم ، بحيث أصبح
المزورون من كبار محتجزي ثروة الامة يؤثرون في
حياة الأمة على نطاق واسع مع بقاء جموع من
الفقراء يموتون جوعا، سواء بشكل مباشر نتيجة
فقدان الغذاء بالمرة ، في بعض أجزاء الوطن
العربي ، اوبشكل غير مباشر عندما لا تحتوي اللقمة
المتيسرة العناصر القادرة على دفع المرض أو إبقاء
الحياة ، وهو الاخر نوع من الجوع ، ثم أن الذي لا
يموت ماديا صار، يموت روحيا نتيجة القيود
المفروضة على الفكر والروح ، وتخريب الثقافة
القومية ، والقضاء على المقومات الضرورية
للمحافظة على الجهاز العقلي والنفسي سليما كي
يتحقق التوازن في الحالة المعنوية بصورة صحيحة ،
لقد وجدت في مجتمعنا شرائح من الاحياء
الأموات، فهم أحياء في الظاهر، لكنهم قد فقدوا
الكثير مما يجعل الحياة جديرة بان تعاش، وان يكون
للانسان دوره وواجبه إزاءها . . إذ لا يستطيع
الانسان أن يتبين الواجب ، وقد ضاع الحق آو
أهدر.
ولقد كان دور السعودية في حياة الأمة كلها ،
وليس في حياة الأنظمة وحدها غاية في السوء في هذا
المجال، إذ تحقق لحكامها أن يستحوذوا بتفويض
ودعم من الأجانب على الجزء الأكبر والاهم من
ثروة الأمة، فاستخدموا الثروة بما ينفع العدو وبما
يضر الأمة، بما في ذلك الشعب في بلادهم، لكن
السعودية الآن قد فقدت تداخل المفاهيم والخنادق
الذي كان يعطي لقوتها المادية قدرا من الفعالية
تصل بها إلى النتائج التي يريدها أعداء الأمة، من
غير أن تضع نفسها علنا في خانة السوء، ولقد
أصبح التزوير الآن محصورا في حدود فنية صرف ،
ولم يعد التزوير ينطلي على الأمة، إذن فأن تأثيره
أصبح في حدود اقل تأثيرا من ذي قبل. .
فاللبنانيون، على سبيل المثال، قد أصبحوا يعرفون
على وجه اليقين بأن كل ما يراد لهم من الاعداء
الصريحين، أو الأعداء المستترين تحت شعارات
مغطاة بأغطية وطنية أو دينية، هو تزوير، وعندما
تزول الحلقات الفنية التي تحجب حق المواطن في
التعبير فأن شعبنا في لبنان سيختار حالة أخرى هي
على النقيض من الحالة التي أرادها له الأعداء
والعملاء. . وما ينطبق على لبنان ينطبق على كل
قطر عربي، وان اختلفت الحالات والدرجات. .
لقد أصبح العربي يقتل وهو مفتوح العينين بينما
كان،في السابق ، يقتل وهو معصوب العينين ، وانه
لأمر طبيعي أن تكون المقاومة لسياسة القتل ومنهج
الإرهاب عند الذي يواجههما وهو مفتوح العينين
أعلى في الدرجة والنوع من المقاومة التي يبديها من
يطلق عليه الرصاص، وقد وضعت على عينيه
غشاوة.
إن المزورين والمغرضين ما برحوا موجودين،
هذه حقيقة ، ولكن صورة النظم العربية هي الآن
أكثر سوءا، كما ذكرت ذلك في اكثر من مناسبة ، لان
الانظمة قد تكشفت على حقيقتها كمزورة ، وعندما
ظهرت عارية الفكر، عارية السلوك ، اضطرت
أن تمتشق كل سلاح لديها لتقاتل الجماهير في خندق
و احد مع الاستعماريين والصهاينة ، وعلى
المكشوف، وبينما كانت هذه النظم نفسها في زمن
مضى تحقق أغراضها دون خسائر، فأنها اليوم في
المواجهة المكشوفة لابد أن تدفع الثمن باهظا،
ولابد أن تقاتل قتالا تراجعيا لأنه ليس بوسعها أن
تستحضر إمكانات إضافية لتقاتل قتالا تعرضيا،
فقد استنفدت الظاهر والمضموم، كما استهلكت
المعلن والنوايا، واعتقد لذلك بأن طريق الخلاص
قد وضحت معالمه ، الآن ، إذ عرفت امة العرب
السئ علي حقيقته ، كما عرفت أو استحضرت
النموذج النقيض، الرائع، البديل. .
لقد كان هنالك احتمال قائم في أم المعارك هو ان
نبلغ رسالة العرب ثم نموت، إن الرسالة صحيحة،
ولكن إلى أي مدى هي ممكنة التطبيق ؟ وكان هنالك
احتمال أن تبدو مفاهيم أم المعارك صحيحة
كرسالة، ولكنها متعذرة التطبيق، ولكن الآن بعد
أن خاض غمار الملحمة قطر واحد من أصل اثنين و
عشرون قطرا وحالا، وفي جو غير ملائم على
المستوى العربي والدولي، واستطاع هذا القطر أن
يحقق الظفر. . فلقد صار واضحا أن الرسالة
صحيحة وممكنة التحقيق أيضا، ومن الصحيح أن
الأعداء قد آذوا شعب العراق ، واستطاعوا أن
يخرجوا جيش العراق من الكويت، إذ صوروا
هدف العراق وكأنه كان مجرد استرجاع أو احتلال
الكويت ، بينما لم تكن الكويت في حقيقة الامر سوى
مفازة كان ينبغي عبورها لتمكين امتنا وقاعدتها
الأصيلة في العراق . . ليدافعا عن أنفسهما، وهما
يتقدمان على طريق المبادئ والنموذج الأصيل ، بل
إن الاستفزاز التآمري من جهاز الحكم في
الكويت، هو الذي جعل هذه القضية تحتل عنوانها
المعروف في حرب الأمة ضد اعدائها .
ففي مؤ تمر عمان الرباعي الذي عقد في شباط
< 1990 > لم نتحدث عن الكويت، ولم نتحدث عن
أي نظام عربي آخر بسوء، سوى أننا نبهنا إلى
ضرورة التهيؤ لمواجهة حالة دولية غير ملائمة ، بعد
أن حصل للاتحاد السوفيتي ما حصل ، ونبهنا
لمخاطر الدور الأمريكي بعد التفرد على مركز
القمة ، وتساءلنا في حينه ، هل سيتصرف
الأمريكان بحكمة ليقودوا، أم سيختارون
الحماقة ؟ . . وكان الاحتمال الثانى مرجحا وفق كل
التحليلات ، واكدنا في حينه أن أول من سيقع
عليهم عب ء الحماقة الأمريكية بعد التفرد
الأمريكي هو العرب، ولذلك فآن عليهم أن
يستعدوا لمواجهة هذا الاحتمال. . وكان هذا
الكلام موجها للمسئولين العرب الثلاثة الذين
حضروا المؤتمر، والى كل النظم العربية، والى
الشعب كله على السواء . . ولكن بعض الحكام
العرب بدلا من أن يواجهوا الأعداء راحوا يعطون
لحكام الكويت واجب التآمر على العراق باغطية
معينة. . وكان تقديرنا للموقف ولا يزال أن الذي
حصل كان لابد أن يحصل سواء دخلنا الكويت أم لم
نفعل ، ولكن السؤال الذي بقي مطروحأ هو: أي
العناوين سيختار أهل العدوان ؟ وأي المناسبات
سينتخبون ؟ . .
وهكذا فأن البعث لم يدخل المعركة من زاوية
ضيقة، هي زاوية الكويت، مع أن الكويت، من
الناحية التاريخية ، هي جزء من العراق ، ومع أننا
نريد الوحدة لكل العرب، ومع انه من الطبيعي ،
والحالة هذه ، أن تكون وحدة قطر بالذات طريقا
لابد منه لتحقيق وحدته مع أقطار أخرى، فكيف
إذا كان حكام هذا الجزء من الوطن، متآمرين، وقد
كانوا جهدا متقدما في الزمان والمكان ، في
استعدادات العدو للحرب وفي ميدان النزال
المحتمل، وإضعاف البلد الأم قبل المنازلة، فلماذا
لا نصفع النظام الكويتي ونسير، فهو جزء من
الحالة ؟ هكذا كان تقديرنا للموقف . . أما
الشعارات فلم تكن تتعلق بالكويت وأحقية االعراق
فيها . . لا في جوهرها ولا في تفاصيلها ، انما كانت
قومية شمولية تؤكل على فلسطين قبل الكويت ،
وأخذت فلسطين، كقضية مركزية للأمة، الحجم
الذي تستحقه منا في كل مراحل الصراع.
وبجانب النظرة التي تغطي مساحة الوطن
العربي كله وكفاح الأمة كله، فقد اخذ البعد
الاجتماعي حقه في شعارات أم المعارك، وبالطريقة
التي ينظر بها البعث، إلى الثروة القومية وكيفية
التعامل معها.
وكان نصيب الحرية في شعارات أم المعارك يأخذ
مكانه من خلال امة تسودها العدالة الاجتماعية ،
وتحقق لها وحدتها ، فالاقتدار هو شرط الحرية
للذات و للآخرين ، أما الضعف فلن يصنع الحرية
لا للذات ولا للآخرين .
وهكذا أيها الرفاق. . . كنا في السابق ، كبعثيين
ندخل المعارك ، و نسقط التزييف على مراحل ،
ونزيل عن الحقيقة الأغطية غطاء اثر غطاء. . أما
الآن فقد مزقنا كل الأغطية دفعة واحدة ، واسقطنا
التزييف كله بمنازلة واحدة ، وان كانت القمة فى
وصف الحال و المقارنة مع كل حالات النضال
والجهاد، وفضحنا المزيفين عل المستوى العربي كما
فضحاهم على المستوى الدولي ، و أظهرنا على الملأ
كل التداخل والتآزر، والتشابك، في حالة الزيف ،
التي تريد أن تفرض نفسها على الأمة العربية و التي
تهيمن، أيضا، على الوضع الدولي، على أوسع
نطاق ، و هكذا انكشف الأعداء ، وانكشف
العملاء، وانكشف السماسرة، وانكشف المزورون
الدوليون، وانكشفت نقاط التلاقي بينهم ،
والمصالح، والأواصر، التي تربطهم، فهل هنالك
من منازلة ترقى إلى مستوى هذه المنازلة ومعانيها
وتأثيراتها في الحال، وعلى المدى البعيد؟ .
فمهما دفعنا في أم المعارك من تضحيات فنحن
الرابحون، ومن الحق أن شعب العراق جدير بان
يتحمل، ويجب أن يتحمل، فله شرف حمل الرسالة
مقابل التضحية، وحتى على المستوى المادي
والرفاه ، سيكون حظه ، عندما ينجلي غبار المعركة ،
وتنهار القيود والسدود ، هو الدفقة الكبيرة لأنه من
الحوض قريب . .
وبقي علينا أن نعرف كم سنغرف نحن كبعثيين
لنضع في قربتنا . . ولكي تعرفوا ذلك، حسبكم أن
تنظروا إلى هذا التفاعل بين ملحمة أم المعارك
والناس على امتداد الوطن الكبير، لقد حولت
المعركة المغرب العربي، مرة واحدة، من حالة
الضياع ، إلى الحالة القومية ، بل إلى الحالة الاكثر
قومية، في المحيط العربي، فكم كان علينا أن
نعمل، ونجاهد ، ونزرع من الخلايا ، ونقدم من
التضحيات لكي يصبح المغرب العربي على الحالة
التي هوعليها الآن ؟
فما أجملها تضحية تأتي بكل هذا الخير العميم ! !
ويقينا أن مثل هذه المكاسب لن تكون بينة ،
بالمعنى المادي ، في كل مفرداتها ، سواء بالنسبة
للعربي ، او لغيره إذا ما اعتبرت الظواهر المادية هي
القياس فقد يظهر مما هو مادي ما يشير الى العكس
عندما نجد ان المصنع الفلاني قد ضرب، وان
هنالك جسرا قد هد ، وتاخذ التضحية معناها
الجليل والعظيم عندما نعرف أن كثيرا من الشهداء
قد سقطوا على طريق العز والحمية . . إن كل ذلك
صحيح. . وهو مؤذ، وانه لمؤلم، ولكنني اعتقد،
بالمقابل ، انه قد تم إبلاغ رسالة البعث بمعناها
الحقيقي.
ومع إننا قد كابدنا لنوضح معانى رسالتنا منذ
زمن طويل ، ولكن المواطن العربي اصبح ، الآن
فقط ، يفهم رسالة البعث على حقيقتها ، وضمن
هذ النطاق الواسع، لقد أصبح حزبنا معروفا
بفكره ودوره، لكل المواطنين من بائع الخضر إلى
الأستاذ في الجامعة، والمفكر، وما بينهم من
مستويات الوعي.
وعود على بدء، فأننا لكي نثبت كل هذا
الوعي، ولكي نمنحه الاستمرار والديمومة، ولكي
ننقله من جيل إلى جيل ، ولكي نستثمره لصالح
الأمة ومستقبلها فأنه ينبغي العودة إلى خط البداية،
أي إلى معرفة الطريقة التي تبنى بها خلية حزبية
مؤمنة، وناجحة تستقطب عددا، من العمال مثلا،
أو عددا من طلاب المدارس الإعدادية، أن هذا
السؤال يأتى في مكانه اليوم ، وينبغي أن تكون
الإجابة سريعة عليه . . كما ينبغي أن يكون العمل
حثيثا من اجله كي لا تذهب هدرأ كل هذه
التضحيات. . وتتحول إلى مجرد أحداث تاريخية أونقوش في الذاكرة، إذن يجب أن نحول الوعى
الجديد، والهزة العميقة في كيان الأمة، وضميرها
التي أحدثتها أم المعارك، إلى فعل مصوب باتجاه
الهدف، والى حالة حزبية للبعث. . فلقد كان
البعث أولا، ثم جاء الحزب وبقيا حالتين تردف
احداهما الأخرى، وقد يتراجع الحزب عن البعث
مرة ويلحق به مرات، فأن لم يكن الحزب بمستوى
البعث ، فان البعث يبقى حالة ، ويبقى الحزب شيئأ
آخر مختلفا، ولكن لكي نحقق (حزب البعث ) ،
لابد أن يكون الحزب في سلوكه، وفي نماذجه، وفي
استعداده، وفي روح التضحية، والإيثار، بين
منتسبيه ، بمستوى البعث العظيم
مرحبا بكم .. وأنا سعيد بلقائكم .
منذ يوم أمس، وأنا منشغل التفكير في كيفية
تنظيم خلية حزبية ناجحة. . فلقد اخذ التفكير
الإستراتيجي وقتنا خلال الفترة الماضية بحكم
النضال من اجل الأمة وموجباته حتى اعتدنا
عليه . . وغني عن القول بآن هذا النمط من التفكير
لا يتناول مفردات تفصيلية مثل كيفية تنظيم خلية
ناجحة. . انما ينصرف غالبا إلى قضايا من نوع
الطريقة التي تعالج الوضع العربي بوجه عام ،
وتغييره من الحالة التي هو فيها نحو حالة أفضل. .
أو ينصرف إلى كيفية تحويل الثروة العربية إلى ثروة
حية، أي إلى ثروة تأتى أكلها داخل الوطن لصالح
الجماهير الغفيرة ولصالح الأجيال الآتية ، وتضمن
للعرب أمنا دائما، وتقدما حقيقيا ، بدلا من أن
تذهب نهبا للأجانب ، أو تصرف على التوافه من
الامور او تكون حكرا على فئة قليلة في العدد..
ويتصل بهذه القضية ذ1ت الطابع الستراتيجى
موضوعة إحكام الصلة بين مفاهيمنا الاجتماعية ،
في تحقيق العدل، والمساواة، وبين ثروة الأمة
وهكذا تجدون أن موضوع بناء خلية حزبية
ناجحة، يعني العودة بنا إلى مرحلة البداية التاريخية
لحياتنا الحزبية ، فالانسان ألبعثي في المرحلة الأولى
من حياته الحزبية سواء كان عضوا أو نصيرا يشغل
نفسه دائمأ بكيفية تكوين خلية حزبية ناجحة ، وان
الرفاق ، في بلدكم العراق يمتلكون قدرة وتجربة في
هذا المضمار. . إن موضوعة الخلية الحزبية التي قد
تبدو هامشية على قياس مسؤولية القيادة القومية إذا
ما نظر للأمر نظرة تقليدية، فهي شيء أساسي في
الواقع، بل هي جوهر النجاح في عملنا الحزبي،
فنحن إن لم نستطع أن نبني خلية حزبية ناجحة، لا
يمكن لأي تفكير إستراتيجي مهما كان نصيبه من
الصواب، إلا أن يبقى في حدود التنظير المكتوب في
احسن حالاته . . فهو قد يقرأ، وقد لا يقرأ،أما
العمل الحزبي بواسطة خلايا نشطة بين الجماهير
فهو الذي يتيح للفكر أن يكون عمليا ، أي أن
يتفاعل مع الواقع ويؤثر فيه ، وينقل الفكرة ذات
الطابع الإستراتيجي من المرسل، وهو القيادة، إلى
الوسط المتفاعل، وهو عموم الجماهير، وهكذا
ترون أن علينا دائما أن نستخلص الإجابة
الصحيحة لسؤال مفاده، كيف نبني خلية حزبية
بعثية ، مؤمنة ، وناجحة ؟
من هذا المنطلق أعود إلى الكلام الذي ذكرته يوم
أمس في اجتماع القيادة القومية ، حيث استعرضنا
جانبا من تاريخ الحزب في بعض أجزاء الوطن
العربي، واستذكرنا انه كان لدينا في العام 1963
تنظيم على مستوى شعبة في كل من الكويت
والبحرين، واليمن . . بينما كان لنا تنظيم على
مستوى فرقة في كل من الجزيرة العربية (السعودية
وقطر) أما في المغرب العربي فقد كان لدينا تنظيم
على مستوى شعبة ، في ليبيا ، وكانت كافة هذه
التنظيمات تدار من قبل فرع واحد هو فرع الحزب
للطلاب العرب في مصر.
لكن الأمور الآن قد تراجعت ، ولاسيما في أقطار
الخليج العربي، رغم أن هنالك فاصلة زمنية طويلة
منذ العام 1963.حق اليوم، وكان ينبغي أن تتطور
الأمور فيها نحو الأفضل . . ولنجعل استذكارنا
للوضع التنظيمي لحزبنا كمدخل محفز، لأتحدث
عن جانب من تاريخ الأنبياء، صلوات الله وسلامه
عليهم ، وكيف بدءوا يبشرون برسالاتهم بتكليف
من رب السموات والأرض ، بتكوين خلايا
بادئ ذي بدئ، ثم أصبحت الخلايا مجتمعات
كاملة تدين بالرسالات التي بشروا بها . . لقد
اصبحت الخلية التي ضمت أبا بكر وعليا والحمزة
وآل ياسر وغيرهم من اوائل الصحابة دينا يغطي
مساحة واسعة من المعمورة . وهكذا رأينا أن ليس
أمامنا من سبيل إلا أن نركز، كما ذكرت يوم امس ،
ليس على الفكر بمعناه العام وحده، وليس على
السياسة بمعناها العام وحده ، وإنما قبل هذا على
التنظيم الذي ينقل الفكر والسياسة، كما نراها، إلى
حيز التطبيق، كما انه ليس بالضرورة أن يضخ
الفكر بكل عناصره إلى الساحة دفعة واحدة ، انما
يمكن أن يجيء تباعا مع تطور التنظيم وصيرورة
الواقع. . بل أن الفكر يغني نفسه ، ويتطور من
تلك الصلة الحية والدائمة مع الواقع كما يحسه
ويتفاعل معه التنظيم الحزبي .
إن السيد المسيح ، عليه السلام ، لم يفض بكل
وصاياه إلى أول خلية كونها ، بل كانت هذه الوصايا
ترد تباعا ، وقد استغرقت حياة السيد المسيح «ع »
كلها ، كما عبر عن ذلك الانجيل ، وبعد ما يقرب
من ستة قرون ونصف فأن الآيات القرآنية،
والأحاديث النبوية الشريفة قد استغرقت حياة
الرسول كلها من البعث حتى وفاته، وعلى
مدى ثلاثة وعشرين عاما.
فالإنسان، إذن، ليس بحاجة لان يطلع على
كل ما هو تفصيلي وشامل ليغدو ومؤمنا ، وانما حسبه
أن يطلع على اللبنة الأولى ، أو على ما يتضمنه خط
البداية من أفكار ليأخذ الإيمان مجراه، وان المرحوم
مؤسس حزبنا قد ذكر مرة ,,1ن الإيمان يسبق المعرفة ،
بل هو الدافع إليها » إذن، فأن خط البداية، أو
الينبوع الأول لمجرى الإيمان الذي يفضى إلى الهداية
هو النموذج . . ولقد اختار الله ، سبحانه وتعالى ،
الأنبياء على أساس الصفات الأساسية التي ينبغي
أن تتوافر في شخصية المؤمن الجديد ، كما يريده
سبحانه ، والتي توافرت في شخصية كل منهم
ابتداء، وهكذا تبدأ الحياة بخط للبداية صحيح
وبنموذج صادق، ومؤمن، ومضح، ثم شجاع،
فالشجاعة عند الأنبياء مصدرها الإيمان ، وليست
هي بالشجاعة التي تكونت خارج هذا الإطار.
وعلى أساس من إشعاع هذا النموذج كانت
المجتمعات المؤمنة تتكون . .
أما بصدد التزوير الذي أشير إليه مما يقع في
قطركم، فأن التزوير سوف يستمر، لأنه وجد منذ
بدء الخليقة، حيث كان هنالك التمرد على الطيب
من الأمور، وعلى ألحسن من السلوك، وعلى
الصحيح من القياسات ، وبجانب رعيل المؤمنين
كان يعيش رعيل المتمردين، انه الصراع الأزلي بين
الخيروا لشر، ونحن نعرف انه منذ أن خلق آدم
وحواء فان الشيطان كان ثالثهما0، وكان في قدرة
الرب ، سبحانه ، وهو القادر على كل شيء أن لا
يخلق الشيطان ، لكنه خلقه لحكمة عنده سبحانه
و تعالى ، ومن بينها أن يبلو خلقه بالخبيث إلى جانب
الطيب. . لكي يكون اختيارهم حاسما ، لأي من
الطريقين . . ولينالوا نتيجة هذا الاختيار ثوابا أو
عقابا.
أما كيف حال التزوير الآن ؟ وكيف حال الإيمان
الآن ؟ فهذا هو السؤال الذي ينبغي طرحه ، فبعد كل
تجاوز لمخاضه، أو أعماق، تقدم فيه التضحيات
السخية مثل هذه التي قدمت وتقدم في أم المعارك،
لابد أن نطرح هذا السؤال، ليس على مستوى
العراق وحده، وإنما على مستوى الوطن العربي
كله، وفيما يتعلق بالعراق فقد كانت هناك
تضحيات كبيرة ، ولكن هل كان بإمكاننا ان
نتفاداها كلها أو بعضها؟ الجواب، نعم ولا، كان
ذلك بوسعنا ، ولكن مقابل أي ثمن ؟ ووصولا إلى
أية حال ؟ ونحو اية بغية ؟ .
إن أفضل ما يمكن تحقيقه في حالة النكوص عن
المبادئ هو أن نصبح نظاما قد توجد فيه بعض
الميزات النسبية على نظم أخرى . . ومرة أخرى
نسأل، هل بوسع النظام أن يحل مشاكل الأمة ؟
وهل هذا هو طريق البعث ومبتغاه ؟ وهل يتفق هذا
مع ما آمنا به من مبادئ وغايات ؟
ليس هنالك من احد بين الذين يقودون الثورة
كان أبوه ملكا، او وزيرأ ، ليأخذ المنصب بالوراثة ،
إنما الجميع من وسط الناس ، إذن ، فأن الذي اوجد
العناوين الرسمية لهذا الرفيق أو ذاك هو البعث،
وان الذي هيأ الفرصة لهذا او ذاك ، ليكون حيث هو
في سلم السلطة هو البعث، فالتخلي عن البعث
معناه التخلي عن الأخلاق، وليس عن المبادئ
وحدها، لأنه نكوص عن وعد ونكث بعهد، ولأنه
ينطوي على صورة واضحة من سوء الخلق . .
لذلك لا نريد أن نتعامل مع الحياة، من زاوية أننا
نظام، حتى عندما يتقدم النظام الذي نسعى له على
نظم اخرى . . إنما نريد أن نتعامل مع االحياة مثلما
تعاملنا معها عند خط البداية ، حينما كنا بعثيين
صغارا في السن، وفي أدنى السلم الحزبي، ولكننا،
كنا مؤمنين بأمتنا، وبرسالتها، ودورها
وكل رسالة هي دور، وإن رسالة الأمة العربية
هي نضال مستمر، عبر كل حقب التأريخ، من
أجل دور حقيقي لها تجاه. نفسها، وتجاه الإنسانية من
حولها
وهكذا كان علينا أن نرفض المرفوض مع كل
المغريات التي تبدو ظاهرة فيه ، وفي مقدمتها راحة
الحكام ، أي راحة أنفسنا على الطريق التقليدي لما
يعتبره حكام اليوم فى الوطن العربي بأنه راحة لهم ،
و توفير التضحية، وان نتحمل بدلا من ذلك عبء
الجهاد مع كل ما ينطوي عليه من تضحيات جسام.
كان المطلوب إذن أن تستمد رسالتنا في هذه
المراحل من تأريخ الأمة روحها من رسالات
السماء، ، مع أنها ليست رسالة سماوية ، ومع إن قادتها
ليسوا من الأنبياء ، ولن يكونوا ، لان سيدنا محمد
كان خاتم الأنبياء والمرسلين ، ولكنها رسالة
ذ1ت صلة وشيجة بما تمخضت عنه هذه الارض ،
وفيما هل عليها من نور السماوات، إنها صلة الفكر،
وصلة النسب ، وصلة البيئة الجغرافية والاجتماعية
الواحدة ، وصلة التأريخ ، وصلة الوارث الشرعي
بالموروث. . وينبغي الإشارة هنا إلى أن الكثير هن
الأنبياء قد جاءوا، وبشروا، ورحلوا، لكنهم لم
يستطيعوا إبلاغ الرسالة إلى ابعد من محيطهم العائلي
أو محيط قريتهم الصغيرة ، كان حسبهم أن يبذروا
البذرة، وكانت هذه البذرة، تنمو، وتترعرع،
بجهد من غيرهم، يأتي بعدهم، ليكمل ما بدءوه.
ولقد كانت هذه المعاني حاضرة أمامنا، وكنا
نقول إذا كانت التضحية والمشقة طريقا لابد منه من
اجل أن تحقق رسالة البعث أهدافها، ومن اجل أن
تنال امتنا وشعبنا استحقاق الحياة ودور الرسالة،
فلابد أن نتحمل كل مخاطر الطريق ونتائج السير
فيه، ومن ذلك أن نواجه التزوير بشجاعة مهما
طغى.
على أن اخطر ما في التزوير هو التداخل الذي
كان موجودا في الخنادق والمفاهيم ، بحيث أصبح
المزورون من كبار محتجزي ثروة الامة يؤثرون في
حياة الأمة على نطاق واسع مع بقاء جموع من
الفقراء يموتون جوعا، سواء بشكل مباشر نتيجة
فقدان الغذاء بالمرة ، في بعض أجزاء الوطن
العربي ، اوبشكل غير مباشر عندما لا تحتوي اللقمة
المتيسرة العناصر القادرة على دفع المرض أو إبقاء
الحياة ، وهو الاخر نوع من الجوع ، ثم أن الذي لا
يموت ماديا صار، يموت روحيا نتيجة القيود
المفروضة على الفكر والروح ، وتخريب الثقافة
القومية ، والقضاء على المقومات الضرورية
للمحافظة على الجهاز العقلي والنفسي سليما كي
يتحقق التوازن في الحالة المعنوية بصورة صحيحة ،
لقد وجدت في مجتمعنا شرائح من الاحياء
الأموات، فهم أحياء في الظاهر، لكنهم قد فقدوا
الكثير مما يجعل الحياة جديرة بان تعاش، وان يكون
للانسان دوره وواجبه إزاءها . . إذ لا يستطيع
الانسان أن يتبين الواجب ، وقد ضاع الحق آو
أهدر.
ولقد كان دور السعودية في حياة الأمة كلها ،
وليس في حياة الأنظمة وحدها غاية في السوء في هذا
المجال، إذ تحقق لحكامها أن يستحوذوا بتفويض
ودعم من الأجانب على الجزء الأكبر والاهم من
ثروة الأمة، فاستخدموا الثروة بما ينفع العدو وبما
يضر الأمة، بما في ذلك الشعب في بلادهم، لكن
السعودية الآن قد فقدت تداخل المفاهيم والخنادق
الذي كان يعطي لقوتها المادية قدرا من الفعالية
تصل بها إلى النتائج التي يريدها أعداء الأمة، من
غير أن تضع نفسها علنا في خانة السوء، ولقد
أصبح التزوير الآن محصورا في حدود فنية صرف ،
ولم يعد التزوير ينطلي على الأمة، إذن فأن تأثيره
أصبح في حدود اقل تأثيرا من ذي قبل. .
فاللبنانيون، على سبيل المثال، قد أصبحوا يعرفون
على وجه اليقين بأن كل ما يراد لهم من الاعداء
الصريحين، أو الأعداء المستترين تحت شعارات
مغطاة بأغطية وطنية أو دينية، هو تزوير، وعندما
تزول الحلقات الفنية التي تحجب حق المواطن في
التعبير فأن شعبنا في لبنان سيختار حالة أخرى هي
على النقيض من الحالة التي أرادها له الأعداء
والعملاء. . وما ينطبق على لبنان ينطبق على كل
قطر عربي، وان اختلفت الحالات والدرجات. .
لقد أصبح العربي يقتل وهو مفتوح العينين بينما
كان،في السابق ، يقتل وهو معصوب العينين ، وانه
لأمر طبيعي أن تكون المقاومة لسياسة القتل ومنهج
الإرهاب عند الذي يواجههما وهو مفتوح العينين
أعلى في الدرجة والنوع من المقاومة التي يبديها من
يطلق عليه الرصاص، وقد وضعت على عينيه
غشاوة.
إن المزورين والمغرضين ما برحوا موجودين،
هذه حقيقة ، ولكن صورة النظم العربية هي الآن
أكثر سوءا، كما ذكرت ذلك في اكثر من مناسبة ، لان
الانظمة قد تكشفت على حقيقتها كمزورة ، وعندما
ظهرت عارية الفكر، عارية السلوك ، اضطرت
أن تمتشق كل سلاح لديها لتقاتل الجماهير في خندق
و احد مع الاستعماريين والصهاينة ، وعلى
المكشوف، وبينما كانت هذه النظم نفسها في زمن
مضى تحقق أغراضها دون خسائر، فأنها اليوم في
المواجهة المكشوفة لابد أن تدفع الثمن باهظا،
ولابد أن تقاتل قتالا تراجعيا لأنه ليس بوسعها أن
تستحضر إمكانات إضافية لتقاتل قتالا تعرضيا،
فقد استنفدت الظاهر والمضموم، كما استهلكت
المعلن والنوايا، واعتقد لذلك بأن طريق الخلاص
قد وضحت معالمه ، الآن ، إذ عرفت امة العرب
السئ علي حقيقته ، كما عرفت أو استحضرت
النموذج النقيض، الرائع، البديل. .
لقد كان هنالك احتمال قائم في أم المعارك هو ان
نبلغ رسالة العرب ثم نموت، إن الرسالة صحيحة،
ولكن إلى أي مدى هي ممكنة التطبيق ؟ وكان هنالك
احتمال أن تبدو مفاهيم أم المعارك صحيحة
كرسالة، ولكنها متعذرة التطبيق، ولكن الآن بعد
أن خاض غمار الملحمة قطر واحد من أصل اثنين و
عشرون قطرا وحالا، وفي جو غير ملائم على
المستوى العربي والدولي، واستطاع هذا القطر أن
يحقق الظفر. . فلقد صار واضحا أن الرسالة
صحيحة وممكنة التحقيق أيضا، ومن الصحيح أن
الأعداء قد آذوا شعب العراق ، واستطاعوا أن
يخرجوا جيش العراق من الكويت، إذ صوروا
هدف العراق وكأنه كان مجرد استرجاع أو احتلال
الكويت ، بينما لم تكن الكويت في حقيقة الامر سوى
مفازة كان ينبغي عبورها لتمكين امتنا وقاعدتها
الأصيلة في العراق . . ليدافعا عن أنفسهما، وهما
يتقدمان على طريق المبادئ والنموذج الأصيل ، بل
إن الاستفزاز التآمري من جهاز الحكم في
الكويت، هو الذي جعل هذه القضية تحتل عنوانها
المعروف في حرب الأمة ضد اعدائها .
ففي مؤ تمر عمان الرباعي الذي عقد في شباط
< 1990 > لم نتحدث عن الكويت، ولم نتحدث عن
أي نظام عربي آخر بسوء، سوى أننا نبهنا إلى
ضرورة التهيؤ لمواجهة حالة دولية غير ملائمة ، بعد
أن حصل للاتحاد السوفيتي ما حصل ، ونبهنا
لمخاطر الدور الأمريكي بعد التفرد على مركز
القمة ، وتساءلنا في حينه ، هل سيتصرف
الأمريكان بحكمة ليقودوا، أم سيختارون
الحماقة ؟ . . وكان الاحتمال الثانى مرجحا وفق كل
التحليلات ، واكدنا في حينه أن أول من سيقع
عليهم عب ء الحماقة الأمريكية بعد التفرد
الأمريكي هو العرب، ولذلك فآن عليهم أن
يستعدوا لمواجهة هذا الاحتمال. . وكان هذا
الكلام موجها للمسئولين العرب الثلاثة الذين
حضروا المؤتمر، والى كل النظم العربية، والى
الشعب كله على السواء . . ولكن بعض الحكام
العرب بدلا من أن يواجهوا الأعداء راحوا يعطون
لحكام الكويت واجب التآمر على العراق باغطية
معينة. . وكان تقديرنا للموقف ولا يزال أن الذي
حصل كان لابد أن يحصل سواء دخلنا الكويت أم لم
نفعل ، ولكن السؤال الذي بقي مطروحأ هو: أي
العناوين سيختار أهل العدوان ؟ وأي المناسبات
سينتخبون ؟ . .
وهكذا فأن البعث لم يدخل المعركة من زاوية
ضيقة، هي زاوية الكويت، مع أن الكويت، من
الناحية التاريخية ، هي جزء من العراق ، ومع أننا
نريد الوحدة لكل العرب، ومع انه من الطبيعي ،
والحالة هذه ، أن تكون وحدة قطر بالذات طريقا
لابد منه لتحقيق وحدته مع أقطار أخرى، فكيف
إذا كان حكام هذا الجزء من الوطن، متآمرين، وقد
كانوا جهدا متقدما في الزمان والمكان ، في
استعدادات العدو للحرب وفي ميدان النزال
المحتمل، وإضعاف البلد الأم قبل المنازلة، فلماذا
لا نصفع النظام الكويتي ونسير، فهو جزء من
الحالة ؟ هكذا كان تقديرنا للموقف . . أما
الشعارات فلم تكن تتعلق بالكويت وأحقية االعراق
فيها . . لا في جوهرها ولا في تفاصيلها ، انما كانت
قومية شمولية تؤكل على فلسطين قبل الكويت ،
وأخذت فلسطين، كقضية مركزية للأمة، الحجم
الذي تستحقه منا في كل مراحل الصراع.
وبجانب النظرة التي تغطي مساحة الوطن
العربي كله وكفاح الأمة كله، فقد اخذ البعد
الاجتماعي حقه في شعارات أم المعارك، وبالطريقة
التي ينظر بها البعث، إلى الثروة القومية وكيفية
التعامل معها.
وكان نصيب الحرية في شعارات أم المعارك يأخذ
مكانه من خلال امة تسودها العدالة الاجتماعية ،
وتحقق لها وحدتها ، فالاقتدار هو شرط الحرية
للذات و للآخرين ، أما الضعف فلن يصنع الحرية
لا للذات ولا للآخرين .
وهكذا أيها الرفاق. . . كنا في السابق ، كبعثيين
ندخل المعارك ، و نسقط التزييف على مراحل ،
ونزيل عن الحقيقة الأغطية غطاء اثر غطاء. . أما
الآن فقد مزقنا كل الأغطية دفعة واحدة ، واسقطنا
التزييف كله بمنازلة واحدة ، وان كانت القمة فى
وصف الحال و المقارنة مع كل حالات النضال
والجهاد، وفضحنا المزيفين عل المستوى العربي كما
فضحاهم على المستوى الدولي ، و أظهرنا على الملأ
كل التداخل والتآزر، والتشابك، في حالة الزيف ،
التي تريد أن تفرض نفسها على الأمة العربية و التي
تهيمن، أيضا، على الوضع الدولي، على أوسع
نطاق ، و هكذا انكشف الأعداء ، وانكشف
العملاء، وانكشف السماسرة، وانكشف المزورون
الدوليون، وانكشفت نقاط التلاقي بينهم ،
والمصالح، والأواصر، التي تربطهم، فهل هنالك
من منازلة ترقى إلى مستوى هذه المنازلة ومعانيها
وتأثيراتها في الحال، وعلى المدى البعيد؟ .
فمهما دفعنا في أم المعارك من تضحيات فنحن
الرابحون، ومن الحق أن شعب العراق جدير بان
يتحمل، ويجب أن يتحمل، فله شرف حمل الرسالة
مقابل التضحية، وحتى على المستوى المادي
والرفاه ، سيكون حظه ، عندما ينجلي غبار المعركة ،
وتنهار القيود والسدود ، هو الدفقة الكبيرة لأنه من
الحوض قريب . .
وبقي علينا أن نعرف كم سنغرف نحن كبعثيين
لنضع في قربتنا . . ولكي تعرفوا ذلك، حسبكم أن
تنظروا إلى هذا التفاعل بين ملحمة أم المعارك
والناس على امتداد الوطن الكبير، لقد حولت
المعركة المغرب العربي، مرة واحدة، من حالة
الضياع ، إلى الحالة القومية ، بل إلى الحالة الاكثر
قومية، في المحيط العربي، فكم كان علينا أن
نعمل، ونجاهد ، ونزرع من الخلايا ، ونقدم من
التضحيات لكي يصبح المغرب العربي على الحالة
التي هوعليها الآن ؟
فما أجملها تضحية تأتي بكل هذا الخير العميم ! !
ويقينا أن مثل هذه المكاسب لن تكون بينة ،
بالمعنى المادي ، في كل مفرداتها ، سواء بالنسبة
للعربي ، او لغيره إذا ما اعتبرت الظواهر المادية هي
القياس فقد يظهر مما هو مادي ما يشير الى العكس
عندما نجد ان المصنع الفلاني قد ضرب، وان
هنالك جسرا قد هد ، وتاخذ التضحية معناها
الجليل والعظيم عندما نعرف أن كثيرا من الشهداء
قد سقطوا على طريق العز والحمية . . إن كل ذلك
صحيح. . وهو مؤذ، وانه لمؤلم، ولكنني اعتقد،
بالمقابل ، انه قد تم إبلاغ رسالة البعث بمعناها
الحقيقي.
ومع إننا قد كابدنا لنوضح معانى رسالتنا منذ
زمن طويل ، ولكن المواطن العربي اصبح ، الآن
فقط ، يفهم رسالة البعث على حقيقتها ، وضمن
هذ النطاق الواسع، لقد أصبح حزبنا معروفا
بفكره ودوره، لكل المواطنين من بائع الخضر إلى
الأستاذ في الجامعة، والمفكر، وما بينهم من
مستويات الوعي.
وعود على بدء، فأننا لكي نثبت كل هذا
الوعي، ولكي نمنحه الاستمرار والديمومة، ولكي
ننقله من جيل إلى جيل ، ولكي نستثمره لصالح
الأمة ومستقبلها فأنه ينبغي العودة إلى خط البداية،
أي إلى معرفة الطريقة التي تبنى بها خلية حزبية
مؤمنة، وناجحة تستقطب عددا، من العمال مثلا،
أو عددا من طلاب المدارس الإعدادية، أن هذا
السؤال يأتى في مكانه اليوم ، وينبغي أن تكون
الإجابة سريعة عليه . . كما ينبغي أن يكون العمل
حثيثا من اجله كي لا تذهب هدرأ كل هذه
التضحيات. . وتتحول إلى مجرد أحداث تاريخية أونقوش في الذاكرة، إذن يجب أن نحول الوعى
الجديد، والهزة العميقة في كيان الأمة، وضميرها
التي أحدثتها أم المعارك، إلى فعل مصوب باتجاه
الهدف، والى حالة حزبية للبعث. . فلقد كان
البعث أولا، ثم جاء الحزب وبقيا حالتين تردف
احداهما الأخرى، وقد يتراجع الحزب عن البعث
مرة ويلحق به مرات، فأن لم يكن الحزب بمستوى
البعث ، فان البعث يبقى حالة ، ويبقى الحزب شيئأ
آخر مختلفا، ولكن لكي نحقق (حزب البعث ) ،
لابد أن يكون الحزب في سلوكه، وفي نماذجه، وفي
استعداده، وفي روح التضحية، والإيثار، بين
منتسبيه ، بمستوى البعث العظيم