خطاب
13-10-2005, 07:42 AM
مع الأحداث 51! انقلب السحر على الساحر!
شبكة البصرة
د. نوري المرادي
هنا تظهر جلية موضوعة الفائدة الحدية!
حفلت الأيام الماضية بالإحداث التي تناقلتها الأخبار. حيث انصدم بلير من شدة المقاومة الوطنية العراقية. وبعد اتضاح أن عملية تلعفر قبل عشرة أيام من تنفيذ استشهادية قال صولاغ أن المنفذ كان رجلا مختل العقل. كما نشر خبر عاجل عن زيارة الخالصي المزعومة للمرادي في مالمو، وكذب طٍلٍباني دعواه السابقة لرجل أعمال إسرائيلي للاستثمار في العراق، وكذب بن سستاني فتوى أبيه بدعم الدستور. . ويفبرك الآن في جنوب العرق تقديس غير مسبوق لإبن الزنيمة عمّار الحكيم. واعتراف شيرازي على نفسه قائلا بأن صنائع الاستعمار منحرفون خلقيا. وقد بدأت القطيعة بين الطلبان والبرزان وبدأ الحزبان بناء الدشم والمتاريس استعدادا للحرب المحتومة بينهما. إضافة إلى أخبار هذا الذي يسمونه دستورا والمطروح للاستفتاء بعد أن خضع لألف تعديل وتعديل.
لكننا سنركز على غير هذه من الأحداث، وعليه.
أولا
منذ ضربة 11 أيلول، وأمريكا تنتهج سياسية ما تسميه بـ "تجفيف منابع الإرهاب" الفكرية والمالية. وفي التجفيف الفكري ألغيت ألوف المؤسسات الدينية الإسلامية في العالم. وبالتجفيف المالي ألغت جميع المؤسسات الخيرية الإسلامية بما فيها مؤسسات الإغاثة، وصادرت أموالها. وكالعادة سارع خصيان الخليفة بوش من الملوك والرؤساء بالتفنن بملاحقة المؤسسات والمدارس الإسلامية، بل وفي سابقة غير معروفة تجرأ بعضهم وحذف بعض السور والآيات القرآنية من المناهج. وصار كل ملك أو رئيس، شخصيا أو عبر أبواق دعايته، يتفاخر بهذه الملاحقة ويحشر في تصاريحه جملا من قبيل "مكافحة الإرهاب" أو " التساوق مع رأي المجتمع الدولي" ،، الخ من الترهات. يقول هذا وهو يعلم اليقين بأن المكافح هو فقط المعارض الواقف بوجه الإرهاب الإسرائيلي. ولربما من غير الصعب على المرء أن يرى بسياسة تجفيف منابع الإرهاب زاوية صغيرة تقول: (( إذا كان ولابد على المؤسسة الخيرية أن تتبرع فلتتفضل، هذه إسرائيل بحاجة دائمة إلى الأموال!)).
ومن الجانب الآخر فإغلاق المؤسسات الفكرية الإسلامية لابد ويراد منه إلغاء تأثير العامل الذي حافظ على مخزون هذه المنطقة اللغوي والعرفي والأخلاقي واحتوى في جزء كبير منه التراث التاريخي أيضا، وهو الإسلام.
لقد احتوى الإسلام مجمل منظومة الوعي الجمعي لهذه المنطقة وجعل مواطنيها رغم كل المحن والمآسي التي مرت منذ سقوط بغداد على أيدي التتر وحتى اليوم، ورغم اختلاف اللغات والتباعد الجغرافي، ورغم اختلاف الأنظمة الحاكمة، جميع مواطني هذه المنطقة يشعرون حتى اليوم بوحدتهم الروحية والعاطفية ناهيك عن وحدتهم التراثية. والوعي الجمعي هو أصلا عامل الحصانة الاجتماعية الوحيدة أو هو على الأقل العامل الأساس إلى جانب القانون المدني ومنظومة الحكم لهذه الحصانة. ومن هنا، فضرب هذا الحاوى - الإسلام، وعبر إلغاء الوعي الجمعي، سيلغي بالضرورة شعور الوحدة من جانب، ومن جانب آخر يمهد لإدخال وعي جديد، سيكون وبلا أدنى شكوك، وعي العولمة المبني على اختيارية الرب صهيون وأنبيائه من يمين الأنجلوسكسون.
ودعوى بوش أن الله أمره بغزو العراق شاهد. بينما كل العالم يعرف لم غزا العراق!
وضرب منظومة الوعي الجمعي، كعامل للحصانة الاجتماعية، قد جربه المعنيون على اليسار العربي عموما وأعطى أبهر النتائج على الأقل في حالة الحزب الشيوعي العراقي الذي يصلي الآن إلى واشنطن بالتراتيل ذاتها التي صلى بها إلى موسكو سابقا. ولي مع هذا وقفة لاحقة.
المهم، إن ما سمي بتجفيف منابع الإرهاب، أريد به إعادة (إعمار !!!!) عامل الحصانة الاجتماعي أي الوعي الجمعي للمنطقة. وربما أحرز بعض النجاح. على الأقل حين يتحسس المرء أن حمية بعض أنظمة أو أحزاب المنطقة على أمريكا وإسرائيل أكثر منها على مواطنيها،وحماس في فلسطين على أيدي أحزاب وجهات عربية، ناهيك عن الحالة في العراق. وبدليل أن عائلة الصباح تبرعت لضحايا إعصار كاترينا الأقل من أربعة آلاف بنصف مليارد دولار، وسنرى كم تتبرع لضحايا هزة باكستان الذين سيربو عددهم المئتي ألف كما تفيد بعض الأخبار.
وعلى ذكر باكستان، فبرويز مشرف كان من بين أشد الزعماء حرصا على التجفيف الأمريكي لمنابع الإرهاب في بلده. إذ أغلق خمسة آلاف مؤسسة دينية خيرية وثقافية وصادر أموالها، وهي التي كانت، حسبما أشارت فضائية الجزيرة وغيرها، تستوعب وتشغل ما لايقل عن ثلاثة ملايين باكستاني ومهاجر. وكل هؤلاء القوا إلى سوق البطالة والتسول بعد غلقها. وفي حالات الكوارث كانت هذه المؤسسات كفيلة بمساعدة ثلاثة ملايين آخرين إن طبيا أو ماليا. ولابدها ستغيث نصف أو جزء من المنكوبين بالهزة الأرضية الأخيرة. وإن لا نستطيع التكهن بحجم الكارثة وتبعاتها حاليا، فلابد من تساؤل عما سيفعله مشرف أزاء ردة فعل من كانوا سيغاثون في هذه الكارثة الوطنية من قبل المؤسسات الخيرية، ما بالك والغصة في نفوس من تشردوا جرّاء إغلاق هذه المؤسسات لم تنته بعد؟ والسؤال الأخر هو: هل سيتعظ بقية زعماء الدول الإسلامية فيتوقفوا عن محاربة هذه المؤسسات، ولو كعامل احتياط للمستقبل؟! والسؤال الأكثر إلحاحا هو: لم تلغى المؤسسات الخيرية والدينية في كل العالم الإسلامي ما عدى تلك التي في إيران أو تتبعها؟
ثانيا
أوردت الأنباء نذر خلاف بين عائلة العبيد من آل الصباح الحاكمة للكويت، تمثل في بيان أصدره رئيس الحرس الوطني الكويتي سالم العلي الصباح مطالبا بتشكيل لجنة تدير شؤون الدولة، أو كما قال لتساعد قيادة الكويت المعوقة المتمثلة بالأمير الهرم وولي عهده اللذين يعالجان من تشكيلة أمراض، أحدها كما يشاع مرض فقدان المناعة.
وحقيقة وبغض النظر عن الموقف الوطني العراقي من حكومة العبيد من آل الصباح، فدعوى سالم العلي مبررة، حيث لم يعد أحد يرى أميرهم للعام الخامس عشر على التوالي. وفي المرات المعدودة التي عرضوه فيها أبان التسعينات على الشاشات، لم ير الناس غير خيال مآتة أعجف تكاد ساقاه تنكسران تحت جسده النحيف. وسبحان الله ولا مرد لقضائه وكلنا إلى هذا أو دونه سائرون. أما سعد العبدالله فقد سبق أميره بالمرض العضال مما يشير بلا أدنى شكوك إلى عجزه حتى عن فهم ما يدور حوله.
المضحك المبكي، أن أتباع هذه القيادة المعوقة جسديا وعقليا يتمادون بالعدوان على الحدود العراقية ويزحفوها دوريا إلى الشمال بكيلومترات وينشِئون المشاريع على الأرض العراقية ويسرقون النفط العراقي ويستنفذون مخزونه جهارا نهارا، وليقولوا للعالمين كم هي ضعيفة حكومة الخونة إشيقر هوش طِلِباني.
وإذا كان أمير الكويت من عائلة أحمد فولي عهده حسب العرف من عائلة السالم وليخلفه عند موته فيكون له ولي عهد من عائلة الأحمد. وهكذا تتناوب عائلتا السالم الصباح والأحمد الصباح على الحكم.
وقبل شهور فقط وبقرار مفاجئ أزاح صباح الأحمد ولي العهد سعد العبدالله السالم الصباح من رئاسة الوزراء ونصب نفسه بدله. وكانت الحجة مرض الولي الذي حال دون ممارسته لمهماته. وتبع ذلك إزاحة قيادات العسكر والشرطة من الموالين لولي العهد أو من سبق وتدخل بتعيينهم. وربما كان ولي العهد ذاته وعلى مرضه رهن الإقامة الجبرية. كما إن التشكيلة التي اقترحها سالم العلي الصباح لمساعدة أميره، تتكون منه وصباح الأحمد ومبارك عبدالله الأحمد. أي لا تتضمن أحدا من عائلة آل السالم الصباح وبما يقرأ منه المتابع أن عائلة أبناء العمومة السالم قد أزيحت نهائيا من حكم إمارة الكويت. بل وحيث جمع صباح الأحمد رئاسة الوزراء ولجنة الإشراف على شؤون أخيه الأمير العليل بيديه، وحيث هو عمليا الرجل الأقوى في الكويت والأغنى أيضا، فمستبعد جدا أن لا يعين نفسه وليا لعهد الكويت، ونتيجة أميرا حال وفاة أخيه. وحين يعتلي صباح الأحمد عرش الإمارة، فلا فرصة مطلقا لإبن الأمير جابر بمنصب ما مستقبلا، ما بالك وهو المتغنج الشاهر لمجونه في حانات القاهرة ولندن. وصباح الأحمد بالمناسبة واحد من أهم مفاتيح السياسة الأمريكية في الخليج. وكل ما ناله من حضوة وترؤس لم يكن ليتم بمعزل عن الدعم الأمريكي الذي اقله غض النظر، وبما لا يتناسب مع السياسة الأمريكية التي دأبت في العقد الأخير أن تملي على العرب حتى نصوص بياناتهم العامة. وليلة أمس صرح الديوان الأميري أن الأمير العليل بصدد إعلان قرار فائق الأهمية عن العائلة المالكة. وشخصيا لا أقرا هذا خارج الصراع الدائر بين صباح الأحمد وغرمائه، ولا أرى أن الأمير سيفعل شيئا هاما. ذلك أن الحل الوحيد المتاح له هو أن يستخدم سلطاته الدستورية والمعنوية ليقيل أخيه صباح الأحمد ويعتقله أيضا. ولن يستطيع صباح عمل شيء لأنه لا يجرؤ على إعتقال أخيه الأمير أو خلعه.
المهم أن الأحداث في الكويت تقول أن صباح الأحمد هو الرجل القوي في عائلة العبيد من آل الصباح، وهو صاحب الحل والعقد، وأن الأمان المعروف ضمن العائلة المالكة قد انتهى إلى غير رجعة.
أما إذا كان صباح الأحمد لازال يتذكر العلقة الساخنة التي أكلها في أحد اجتماعات القاهرة على يد مواطن عراقي طرحه أرضا وكشف عورته، فهذا السؤال يبقى ثانويا أزاء السؤال الأهم، وهو: كم من السنين سيجلس صباح الأحمد على عرش الإمارة؟ وهل ستكون نهايته على يد متآمر آخر من شاكلته أم على يد فتيان المقاومة الوطنية الكويتية؟!
ثالثا
في برنامج من نوع مع المشاهدين من تلفزيون موسكو هددت مواطنة أن إذا لم يعيد التلفزيون بث حلقات مسلسل مكسيكي، فستشكي إدارته إلى بوش. بينما نشرت الصحف في موسكو رسالة طفلة إلى بوش وجوابها منه. ولم يبق مسؤول في روسيا أو بقية دول الإتحاد السوفيتي ولم يطلب مساعدة بوش أو تدخله أو رضاه أو رضا تل أبيب. وليس من سياسي في روسيا ما بعد سقوط الإتحاد السوفييتي ولم ينابز غريمه أو يهدده بقربه شخصيا من بوش أو علاقته بالدكتور ساخاروف. بل أن أمريكا فعليا هي من عين كبار المسؤولين، بما فيهم رؤساء الدول والأقاليم. وسارعت ببناء القواعد فأحاطت روسيا ذاتها بسوار من تلك القواعد وفي 12 دولة من دول الإتحاد السوفييتي السابق. بينما في روسيا ذاتها وأوكرانيا أنشأت مراكز تبادل المعلومات ودورات تدريبية عسكرية وأمنية مشتركة ومؤسسات للتعاون في مجال الفضاء. ولم يشذ عن هذه التبعية المطلقة لأمريكا غير روسيا البيضاء وعلى عهد رئيسها الحالي، والمتهم أمريكيا على أية حال بالدكتاتورية والفاشية.
وأكبر القواعد الأمريكية في تلك الدول، وربما في عموم آسيا، هي التي في أوزبكستان. حيث كانت حامية ومصنعا للطائرات بكافة أنواعها غير بعيد عن طشقند. وهذه القاعدة كانت من الضخامة بحيث لم تحتج لأي تغيير أو تحسين لتستقبل أضخم طائرات النقل العسكري الأمريكية. ويليها في الحجم القاعدة الأمريكية أذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا. وفي كازاخستان لا تبعد القاعدة العسكرية الأمريكية سوى عشرا الكيلومترات عن محطة إطلاق الصواريخ الفضائية في بايكانور وموقع التفجيرات النووية التجريبية للإتحاد السوفييتي السابق.
وكل القواعد الأمريكية على أرض الإتحاد السوفييتي السابق كانت عمليا بأيجارات رمزية. فإيجار القاعدة الأمريكية في طاشقند بكل مبانيها وورشها والأراضي المحيطة لا يتجاوز 23 مليون دولار سنويا. ومن هذه القاعدة أرسل الجزء الأكبر من القوات الأمريكية عبر الحدود لغزو أفغانستان، ومنها أيضا أقلعت العديد من الأسراب التي ضربت بغداد.
لكن مصير هذه القواعد، التي أريد لها أن تبقى أبدية، ومنها يستكمل غزو آسيا، بدأ يحتويه التساؤل، ولسبب غير متوقع وهو الإفلاس!
والمثل العراقي يقول: " مهروش وطاح بكروش" أي طمعه قتله. فحيث وجدت الفرصة سانحة سياسيا وحيث الإيجارات مزرية نشرت أمريكا قواعدها بالمنطقة، ودونما احتساب لطاقتها الذاتية لجهة ديمومة هذه القواعد والتي تتركز على عاملي الطاقم البشري والتكاليف. وأول أيام بناء هذه القواعد، كانت العائدات ولا شك عالية. حيث تم عبر هذه القواعد تهريب كل ما يمكن تهريبه من المواد المحظورة والمعادن والقطن أما عبر صفقات من السوق السوداء أو مباشرة مع المسؤولين، بما فيها مئتي كيلوغرام يورانيوم اشتروها من رئيس كازاخستان شخصيا. إلا أن سوق هذه الدول أما استنفذ إمكانيات التهريب حيث صار هو بأشد الحاجة إلى ما كان يهربه مما رفع الأسعار وألغى فوائد التهريب إلى الخارج، أو إن المواد انتهت أو أن أمريكا اكتفت ولم يعد من شيء جديد يستأهل الشراء من السوق السوداء. لكن أغلب العوائد المالية أو جزء كبير منها ذهب لكبار المسؤولين والسماسرة الأمريكان وليس إلى خزانة وزارة الدفاع التي تتحمل أعباء تكاليف هذه القواعد. أي إن وزارة الدفاع تدفع تكاليف القواعد ولا تستلم عائدا. وتكاليف الطاقم البشري زادت بدورها بعد غزوي أفغانستان والعراق. حيث بلغت تكلفة تواجد الجندي البسيط فيهما 35 ألف دولار شهريا. عدى العلاج وتعويضات الإصابة والموت المتصاعد في هذين الغزوين. وقبل أيام أعلن بوش حملة تبرع لصالح الحرب في العراق فلم يجمع الجباة أكثر من 600 دولار وحسب. ومعدل الخسائر بالعتاد والآليات الأمريكية في العراق وأفغانستان ربما استنفذ أغلب المخزون المتاح وشكل ضغطا على المصانع الأمريكية فوضعها أمام تسارع إنتاج يرفع حتما من الكلفة. أما الخسائر البشرية الذي في العراق وحدها فاق الخمسين ألف قتيل. وحيث يعتمد الجيش الأمريكي على التطوع وليس التكليف، فقد بدأت مشكلة حقيقية تواجه وزارة الدفاع وهي سد النقص في الخسائر البشرية، حيث يرفض الشباب الأمريكي التطوع للجيش. ومن كل هذا لم يبق مبرر للشك بالعجز الأمريكي عن توفير عاملي الديمومة (المال والبشر) للقواعد الأمريكية المعنية.
وحقيقة قد أعلنت أوزبكستان أن أمريكا لم تدفع حتى اليوم إيجار قاعدة طاشقند رغم أن العام شارف على الإنتهاء. وكذلك الحال في قاعدتي قرغيزيا وكازاخستان، كما أوردت الأنباء. أما حال القواعد الأخرى فلابدها لا تختلف كثيرا. وحيث أدركت روسيا واقع الحال الأمريكي، لذا لم تحتج لكثير جهد، لوضع مصير هذه القواعد على طاولة المباحثات. لذا باتت قاعدة طاشقند شبه مغلقة، ومثلها قاعدة كازاخستان. بينما رهن بقاء قاعدة قرغيزيا بهدوء الحال في أفغانستان. وأمريكا التي تعرف أن روسيا تعرف واقع الحال الأمريكية لم تتمنّع كثيرا أو تتشرّط، بل عاجلت على لسان كوندليزا رايس بالقول: " إننا لا نريد منافسة روسيا في مواقع نفوذها السابق ". أما لم ذهبت أمريكا إلى مناطق هذا النفوذ وأحاطت روسيا بإسوار من القواعد، فهذا ليس مهما. إنما السؤال الأساس هو: متى ستخرج القواعد الأمريكية من أوربا بسبب الإفلاس أيضا؟! والسؤال الأكثر إلحاحا، لم لم تفلس أمريكا قبل غزوها للعراق؟!
رابعا
قد هددت أمريكا سوريا كثيرا، ودفعت معاونيها لعقد مؤتمر نظير لما عقده سماسرة ما يسمى بالمعارضة العراقية من مؤتمرات قبل الغزو، وتحت المصطلحات ذاتها من قبيل "سوريا الجديدة" و "سوريا الغد" و "إعادة إعمار سوريا" ما إليها. سوى أن المؤتمر عقد في باريس هذه المرة. وقد أعد للمؤتمر طويلا ودعي له ما سمي بكافة فصائل وأطياف المعارضة السورية، من قبيل "الحزب الديموقراطي الكردستاني السوري" و" حكومة غرب كردستان السورية" و«الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الحزب الحضاري الديموقراطي السوري» و«التحالف الديموقراطي السوري» و«تحالف القصاص والمصحالة» و«تجمع الشاب الوطنيين الاحرار» و«الحركة الطلابية شآم» والمركز السوري للابحاث والدراسات، وجمعية الصداقة العربية ـ الكردية.
لكن! ولله في خلقه شؤون، كان عدد الحضور لهذا المؤتمر 25 مندوبا فقط بما فيهم المنظمون، ومنهم 20 كرديا بالتمام والكمال. ولم تعلق أمريكا على هذا المؤتمر الذي سرعانما لفه النسيان، بله ارفضّ قبل إتمام أعماله.
والمعارضة السورية وهي ترى مآثر فتيان شنعار ضد الأمريكان وترى كيف أن أمريكا استخدمت المعارضة العراقية ككلاب لاحتلال العراق، لابدها "اغتشت" أو تهيبت المصير القصاص الذي يجريه الآن أحرار العراق على الخونة الكلاب. بقي أن نتساءل، متى يعي نظام سوريا ذاته المعطيات، ويفتح جبهة الجولان، كي لا تعود أمريكا وتفكر بغزو الشام كليا؟!
وهكذا! فليس في الحال ما يبشر بخير لمستقبل أمريكا، ولا من يشير إلى جبروتها الذي كان. وقد انبرى مدير المخابرات الأمريكية الأسبق والعامل حاليا في معهد ماسوشتس للتكنولوجيا، السيد جون دويتش، شارحا الحال وجعا صراحة إلى الانسحاب من العراق*. وقال: " إننا لا نحقق أي تقدم، وإن الأسباب التي سقناها للحرب أما خاوية أو مستحيلة التحقق. بل تحدى الجمهوريين والديموقراطيين القائلين بأن على الولايات المتحدة إنجاز مهمتها في العراق أن يوضحوا بصورة عملية طبيعة هذه المهمة وإمكانية إنجازها على نحو واقعي ومدى التقدم الذي تحقق بالفعل على طريق هذا الإنجازات منذ بدء الحرب وحتى الآن! "
والسيد جون دويتش مدير مخابرات أمريكا. ومن الخطأ التشكيك برؤياه. لكن لو طلبنا من السيد دويتش أن يجيبنا بكلمتين فقط، على السؤال: بسبب ماذا باتت مهمة أمريكا في العراق مستحلية التحقيق؟
هل سيجيب بغير: (( المقاومة العراقية!)) ؟
فاشكروا الله أيها القراء أن الله سبحانه مد بعمركم فجعلكم تعيشون هذه الملحمة الأسطورة التي يسطرها إخوتكم فتيان شنعار وأنصارهم الطير الأبابيل!
إنها أسطورة موت أمريكا على يد أحرار العراق والعالم الثالث
فإبشروا ايها الفتيان بالنصر، وحيث ثقفتموهم!
شبكة البصرة
د. نوري المرادي
هنا تظهر جلية موضوعة الفائدة الحدية!
حفلت الأيام الماضية بالإحداث التي تناقلتها الأخبار. حيث انصدم بلير من شدة المقاومة الوطنية العراقية. وبعد اتضاح أن عملية تلعفر قبل عشرة أيام من تنفيذ استشهادية قال صولاغ أن المنفذ كان رجلا مختل العقل. كما نشر خبر عاجل عن زيارة الخالصي المزعومة للمرادي في مالمو، وكذب طٍلٍباني دعواه السابقة لرجل أعمال إسرائيلي للاستثمار في العراق، وكذب بن سستاني فتوى أبيه بدعم الدستور. . ويفبرك الآن في جنوب العرق تقديس غير مسبوق لإبن الزنيمة عمّار الحكيم. واعتراف شيرازي على نفسه قائلا بأن صنائع الاستعمار منحرفون خلقيا. وقد بدأت القطيعة بين الطلبان والبرزان وبدأ الحزبان بناء الدشم والمتاريس استعدادا للحرب المحتومة بينهما. إضافة إلى أخبار هذا الذي يسمونه دستورا والمطروح للاستفتاء بعد أن خضع لألف تعديل وتعديل.
لكننا سنركز على غير هذه من الأحداث، وعليه.
أولا
منذ ضربة 11 أيلول، وأمريكا تنتهج سياسية ما تسميه بـ "تجفيف منابع الإرهاب" الفكرية والمالية. وفي التجفيف الفكري ألغيت ألوف المؤسسات الدينية الإسلامية في العالم. وبالتجفيف المالي ألغت جميع المؤسسات الخيرية الإسلامية بما فيها مؤسسات الإغاثة، وصادرت أموالها. وكالعادة سارع خصيان الخليفة بوش من الملوك والرؤساء بالتفنن بملاحقة المؤسسات والمدارس الإسلامية، بل وفي سابقة غير معروفة تجرأ بعضهم وحذف بعض السور والآيات القرآنية من المناهج. وصار كل ملك أو رئيس، شخصيا أو عبر أبواق دعايته، يتفاخر بهذه الملاحقة ويحشر في تصاريحه جملا من قبيل "مكافحة الإرهاب" أو " التساوق مع رأي المجتمع الدولي" ،، الخ من الترهات. يقول هذا وهو يعلم اليقين بأن المكافح هو فقط المعارض الواقف بوجه الإرهاب الإسرائيلي. ولربما من غير الصعب على المرء أن يرى بسياسة تجفيف منابع الإرهاب زاوية صغيرة تقول: (( إذا كان ولابد على المؤسسة الخيرية أن تتبرع فلتتفضل، هذه إسرائيل بحاجة دائمة إلى الأموال!)).
ومن الجانب الآخر فإغلاق المؤسسات الفكرية الإسلامية لابد ويراد منه إلغاء تأثير العامل الذي حافظ على مخزون هذه المنطقة اللغوي والعرفي والأخلاقي واحتوى في جزء كبير منه التراث التاريخي أيضا، وهو الإسلام.
لقد احتوى الإسلام مجمل منظومة الوعي الجمعي لهذه المنطقة وجعل مواطنيها رغم كل المحن والمآسي التي مرت منذ سقوط بغداد على أيدي التتر وحتى اليوم، ورغم اختلاف اللغات والتباعد الجغرافي، ورغم اختلاف الأنظمة الحاكمة، جميع مواطني هذه المنطقة يشعرون حتى اليوم بوحدتهم الروحية والعاطفية ناهيك عن وحدتهم التراثية. والوعي الجمعي هو أصلا عامل الحصانة الاجتماعية الوحيدة أو هو على الأقل العامل الأساس إلى جانب القانون المدني ومنظومة الحكم لهذه الحصانة. ومن هنا، فضرب هذا الحاوى - الإسلام، وعبر إلغاء الوعي الجمعي، سيلغي بالضرورة شعور الوحدة من جانب، ومن جانب آخر يمهد لإدخال وعي جديد، سيكون وبلا أدنى شكوك، وعي العولمة المبني على اختيارية الرب صهيون وأنبيائه من يمين الأنجلوسكسون.
ودعوى بوش أن الله أمره بغزو العراق شاهد. بينما كل العالم يعرف لم غزا العراق!
وضرب منظومة الوعي الجمعي، كعامل للحصانة الاجتماعية، قد جربه المعنيون على اليسار العربي عموما وأعطى أبهر النتائج على الأقل في حالة الحزب الشيوعي العراقي الذي يصلي الآن إلى واشنطن بالتراتيل ذاتها التي صلى بها إلى موسكو سابقا. ولي مع هذا وقفة لاحقة.
المهم، إن ما سمي بتجفيف منابع الإرهاب، أريد به إعادة (إعمار !!!!) عامل الحصانة الاجتماعي أي الوعي الجمعي للمنطقة. وربما أحرز بعض النجاح. على الأقل حين يتحسس المرء أن حمية بعض أنظمة أو أحزاب المنطقة على أمريكا وإسرائيل أكثر منها على مواطنيها،وحماس في فلسطين على أيدي أحزاب وجهات عربية، ناهيك عن الحالة في العراق. وبدليل أن عائلة الصباح تبرعت لضحايا إعصار كاترينا الأقل من أربعة آلاف بنصف مليارد دولار، وسنرى كم تتبرع لضحايا هزة باكستان الذين سيربو عددهم المئتي ألف كما تفيد بعض الأخبار.
وعلى ذكر باكستان، فبرويز مشرف كان من بين أشد الزعماء حرصا على التجفيف الأمريكي لمنابع الإرهاب في بلده. إذ أغلق خمسة آلاف مؤسسة دينية خيرية وثقافية وصادر أموالها، وهي التي كانت، حسبما أشارت فضائية الجزيرة وغيرها، تستوعب وتشغل ما لايقل عن ثلاثة ملايين باكستاني ومهاجر. وكل هؤلاء القوا إلى سوق البطالة والتسول بعد غلقها. وفي حالات الكوارث كانت هذه المؤسسات كفيلة بمساعدة ثلاثة ملايين آخرين إن طبيا أو ماليا. ولابدها ستغيث نصف أو جزء من المنكوبين بالهزة الأرضية الأخيرة. وإن لا نستطيع التكهن بحجم الكارثة وتبعاتها حاليا، فلابد من تساؤل عما سيفعله مشرف أزاء ردة فعل من كانوا سيغاثون في هذه الكارثة الوطنية من قبل المؤسسات الخيرية، ما بالك والغصة في نفوس من تشردوا جرّاء إغلاق هذه المؤسسات لم تنته بعد؟ والسؤال الأخر هو: هل سيتعظ بقية زعماء الدول الإسلامية فيتوقفوا عن محاربة هذه المؤسسات، ولو كعامل احتياط للمستقبل؟! والسؤال الأكثر إلحاحا هو: لم تلغى المؤسسات الخيرية والدينية في كل العالم الإسلامي ما عدى تلك التي في إيران أو تتبعها؟
ثانيا
أوردت الأنباء نذر خلاف بين عائلة العبيد من آل الصباح الحاكمة للكويت، تمثل في بيان أصدره رئيس الحرس الوطني الكويتي سالم العلي الصباح مطالبا بتشكيل لجنة تدير شؤون الدولة، أو كما قال لتساعد قيادة الكويت المعوقة المتمثلة بالأمير الهرم وولي عهده اللذين يعالجان من تشكيلة أمراض، أحدها كما يشاع مرض فقدان المناعة.
وحقيقة وبغض النظر عن الموقف الوطني العراقي من حكومة العبيد من آل الصباح، فدعوى سالم العلي مبررة، حيث لم يعد أحد يرى أميرهم للعام الخامس عشر على التوالي. وفي المرات المعدودة التي عرضوه فيها أبان التسعينات على الشاشات، لم ير الناس غير خيال مآتة أعجف تكاد ساقاه تنكسران تحت جسده النحيف. وسبحان الله ولا مرد لقضائه وكلنا إلى هذا أو دونه سائرون. أما سعد العبدالله فقد سبق أميره بالمرض العضال مما يشير بلا أدنى شكوك إلى عجزه حتى عن فهم ما يدور حوله.
المضحك المبكي، أن أتباع هذه القيادة المعوقة جسديا وعقليا يتمادون بالعدوان على الحدود العراقية ويزحفوها دوريا إلى الشمال بكيلومترات وينشِئون المشاريع على الأرض العراقية ويسرقون النفط العراقي ويستنفذون مخزونه جهارا نهارا، وليقولوا للعالمين كم هي ضعيفة حكومة الخونة إشيقر هوش طِلِباني.
وإذا كان أمير الكويت من عائلة أحمد فولي عهده حسب العرف من عائلة السالم وليخلفه عند موته فيكون له ولي عهد من عائلة الأحمد. وهكذا تتناوب عائلتا السالم الصباح والأحمد الصباح على الحكم.
وقبل شهور فقط وبقرار مفاجئ أزاح صباح الأحمد ولي العهد سعد العبدالله السالم الصباح من رئاسة الوزراء ونصب نفسه بدله. وكانت الحجة مرض الولي الذي حال دون ممارسته لمهماته. وتبع ذلك إزاحة قيادات العسكر والشرطة من الموالين لولي العهد أو من سبق وتدخل بتعيينهم. وربما كان ولي العهد ذاته وعلى مرضه رهن الإقامة الجبرية. كما إن التشكيلة التي اقترحها سالم العلي الصباح لمساعدة أميره، تتكون منه وصباح الأحمد ومبارك عبدالله الأحمد. أي لا تتضمن أحدا من عائلة آل السالم الصباح وبما يقرأ منه المتابع أن عائلة أبناء العمومة السالم قد أزيحت نهائيا من حكم إمارة الكويت. بل وحيث جمع صباح الأحمد رئاسة الوزراء ولجنة الإشراف على شؤون أخيه الأمير العليل بيديه، وحيث هو عمليا الرجل الأقوى في الكويت والأغنى أيضا، فمستبعد جدا أن لا يعين نفسه وليا لعهد الكويت، ونتيجة أميرا حال وفاة أخيه. وحين يعتلي صباح الأحمد عرش الإمارة، فلا فرصة مطلقا لإبن الأمير جابر بمنصب ما مستقبلا، ما بالك وهو المتغنج الشاهر لمجونه في حانات القاهرة ولندن. وصباح الأحمد بالمناسبة واحد من أهم مفاتيح السياسة الأمريكية في الخليج. وكل ما ناله من حضوة وترؤس لم يكن ليتم بمعزل عن الدعم الأمريكي الذي اقله غض النظر، وبما لا يتناسب مع السياسة الأمريكية التي دأبت في العقد الأخير أن تملي على العرب حتى نصوص بياناتهم العامة. وليلة أمس صرح الديوان الأميري أن الأمير العليل بصدد إعلان قرار فائق الأهمية عن العائلة المالكة. وشخصيا لا أقرا هذا خارج الصراع الدائر بين صباح الأحمد وغرمائه، ولا أرى أن الأمير سيفعل شيئا هاما. ذلك أن الحل الوحيد المتاح له هو أن يستخدم سلطاته الدستورية والمعنوية ليقيل أخيه صباح الأحمد ويعتقله أيضا. ولن يستطيع صباح عمل شيء لأنه لا يجرؤ على إعتقال أخيه الأمير أو خلعه.
المهم أن الأحداث في الكويت تقول أن صباح الأحمد هو الرجل القوي في عائلة العبيد من آل الصباح، وهو صاحب الحل والعقد، وأن الأمان المعروف ضمن العائلة المالكة قد انتهى إلى غير رجعة.
أما إذا كان صباح الأحمد لازال يتذكر العلقة الساخنة التي أكلها في أحد اجتماعات القاهرة على يد مواطن عراقي طرحه أرضا وكشف عورته، فهذا السؤال يبقى ثانويا أزاء السؤال الأهم، وهو: كم من السنين سيجلس صباح الأحمد على عرش الإمارة؟ وهل ستكون نهايته على يد متآمر آخر من شاكلته أم على يد فتيان المقاومة الوطنية الكويتية؟!
ثالثا
في برنامج من نوع مع المشاهدين من تلفزيون موسكو هددت مواطنة أن إذا لم يعيد التلفزيون بث حلقات مسلسل مكسيكي، فستشكي إدارته إلى بوش. بينما نشرت الصحف في موسكو رسالة طفلة إلى بوش وجوابها منه. ولم يبق مسؤول في روسيا أو بقية دول الإتحاد السوفيتي ولم يطلب مساعدة بوش أو تدخله أو رضاه أو رضا تل أبيب. وليس من سياسي في روسيا ما بعد سقوط الإتحاد السوفييتي ولم ينابز غريمه أو يهدده بقربه شخصيا من بوش أو علاقته بالدكتور ساخاروف. بل أن أمريكا فعليا هي من عين كبار المسؤولين، بما فيهم رؤساء الدول والأقاليم. وسارعت ببناء القواعد فأحاطت روسيا ذاتها بسوار من تلك القواعد وفي 12 دولة من دول الإتحاد السوفييتي السابق. بينما في روسيا ذاتها وأوكرانيا أنشأت مراكز تبادل المعلومات ودورات تدريبية عسكرية وأمنية مشتركة ومؤسسات للتعاون في مجال الفضاء. ولم يشذ عن هذه التبعية المطلقة لأمريكا غير روسيا البيضاء وعلى عهد رئيسها الحالي، والمتهم أمريكيا على أية حال بالدكتاتورية والفاشية.
وأكبر القواعد الأمريكية في تلك الدول، وربما في عموم آسيا، هي التي في أوزبكستان. حيث كانت حامية ومصنعا للطائرات بكافة أنواعها غير بعيد عن طشقند. وهذه القاعدة كانت من الضخامة بحيث لم تحتج لأي تغيير أو تحسين لتستقبل أضخم طائرات النقل العسكري الأمريكية. ويليها في الحجم القاعدة الأمريكية أذربيجان وكازاخستان وقرغيزيا. وفي كازاخستان لا تبعد القاعدة العسكرية الأمريكية سوى عشرا الكيلومترات عن محطة إطلاق الصواريخ الفضائية في بايكانور وموقع التفجيرات النووية التجريبية للإتحاد السوفييتي السابق.
وكل القواعد الأمريكية على أرض الإتحاد السوفييتي السابق كانت عمليا بأيجارات رمزية. فإيجار القاعدة الأمريكية في طاشقند بكل مبانيها وورشها والأراضي المحيطة لا يتجاوز 23 مليون دولار سنويا. ومن هذه القاعدة أرسل الجزء الأكبر من القوات الأمريكية عبر الحدود لغزو أفغانستان، ومنها أيضا أقلعت العديد من الأسراب التي ضربت بغداد.
لكن مصير هذه القواعد، التي أريد لها أن تبقى أبدية، ومنها يستكمل غزو آسيا، بدأ يحتويه التساؤل، ولسبب غير متوقع وهو الإفلاس!
والمثل العراقي يقول: " مهروش وطاح بكروش" أي طمعه قتله. فحيث وجدت الفرصة سانحة سياسيا وحيث الإيجارات مزرية نشرت أمريكا قواعدها بالمنطقة، ودونما احتساب لطاقتها الذاتية لجهة ديمومة هذه القواعد والتي تتركز على عاملي الطاقم البشري والتكاليف. وأول أيام بناء هذه القواعد، كانت العائدات ولا شك عالية. حيث تم عبر هذه القواعد تهريب كل ما يمكن تهريبه من المواد المحظورة والمعادن والقطن أما عبر صفقات من السوق السوداء أو مباشرة مع المسؤولين، بما فيها مئتي كيلوغرام يورانيوم اشتروها من رئيس كازاخستان شخصيا. إلا أن سوق هذه الدول أما استنفذ إمكانيات التهريب حيث صار هو بأشد الحاجة إلى ما كان يهربه مما رفع الأسعار وألغى فوائد التهريب إلى الخارج، أو إن المواد انتهت أو أن أمريكا اكتفت ولم يعد من شيء جديد يستأهل الشراء من السوق السوداء. لكن أغلب العوائد المالية أو جزء كبير منها ذهب لكبار المسؤولين والسماسرة الأمريكان وليس إلى خزانة وزارة الدفاع التي تتحمل أعباء تكاليف هذه القواعد. أي إن وزارة الدفاع تدفع تكاليف القواعد ولا تستلم عائدا. وتكاليف الطاقم البشري زادت بدورها بعد غزوي أفغانستان والعراق. حيث بلغت تكلفة تواجد الجندي البسيط فيهما 35 ألف دولار شهريا. عدى العلاج وتعويضات الإصابة والموت المتصاعد في هذين الغزوين. وقبل أيام أعلن بوش حملة تبرع لصالح الحرب في العراق فلم يجمع الجباة أكثر من 600 دولار وحسب. ومعدل الخسائر بالعتاد والآليات الأمريكية في العراق وأفغانستان ربما استنفذ أغلب المخزون المتاح وشكل ضغطا على المصانع الأمريكية فوضعها أمام تسارع إنتاج يرفع حتما من الكلفة. أما الخسائر البشرية الذي في العراق وحدها فاق الخمسين ألف قتيل. وحيث يعتمد الجيش الأمريكي على التطوع وليس التكليف، فقد بدأت مشكلة حقيقية تواجه وزارة الدفاع وهي سد النقص في الخسائر البشرية، حيث يرفض الشباب الأمريكي التطوع للجيش. ومن كل هذا لم يبق مبرر للشك بالعجز الأمريكي عن توفير عاملي الديمومة (المال والبشر) للقواعد الأمريكية المعنية.
وحقيقة قد أعلنت أوزبكستان أن أمريكا لم تدفع حتى اليوم إيجار قاعدة طاشقند رغم أن العام شارف على الإنتهاء. وكذلك الحال في قاعدتي قرغيزيا وكازاخستان، كما أوردت الأنباء. أما حال القواعد الأخرى فلابدها لا تختلف كثيرا. وحيث أدركت روسيا واقع الحال الأمريكي، لذا لم تحتج لكثير جهد، لوضع مصير هذه القواعد على طاولة المباحثات. لذا باتت قاعدة طاشقند شبه مغلقة، ومثلها قاعدة كازاخستان. بينما رهن بقاء قاعدة قرغيزيا بهدوء الحال في أفغانستان. وأمريكا التي تعرف أن روسيا تعرف واقع الحال الأمريكية لم تتمنّع كثيرا أو تتشرّط، بل عاجلت على لسان كوندليزا رايس بالقول: " إننا لا نريد منافسة روسيا في مواقع نفوذها السابق ". أما لم ذهبت أمريكا إلى مناطق هذا النفوذ وأحاطت روسيا بإسوار من القواعد، فهذا ليس مهما. إنما السؤال الأساس هو: متى ستخرج القواعد الأمريكية من أوربا بسبب الإفلاس أيضا؟! والسؤال الأكثر إلحاحا، لم لم تفلس أمريكا قبل غزوها للعراق؟!
رابعا
قد هددت أمريكا سوريا كثيرا، ودفعت معاونيها لعقد مؤتمر نظير لما عقده سماسرة ما يسمى بالمعارضة العراقية من مؤتمرات قبل الغزو، وتحت المصطلحات ذاتها من قبيل "سوريا الجديدة" و "سوريا الغد" و "إعادة إعمار سوريا" ما إليها. سوى أن المؤتمر عقد في باريس هذه المرة. وقد أعد للمؤتمر طويلا ودعي له ما سمي بكافة فصائل وأطياف المعارضة السورية، من قبيل "الحزب الديموقراطي الكردستاني السوري" و" حكومة غرب كردستان السورية" و«الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الحزب الحضاري الديموقراطي السوري» و«التحالف الديموقراطي السوري» و«تحالف القصاص والمصحالة» و«تجمع الشاب الوطنيين الاحرار» و«الحركة الطلابية شآم» والمركز السوري للابحاث والدراسات، وجمعية الصداقة العربية ـ الكردية.
لكن! ولله في خلقه شؤون، كان عدد الحضور لهذا المؤتمر 25 مندوبا فقط بما فيهم المنظمون، ومنهم 20 كرديا بالتمام والكمال. ولم تعلق أمريكا على هذا المؤتمر الذي سرعانما لفه النسيان، بله ارفضّ قبل إتمام أعماله.
والمعارضة السورية وهي ترى مآثر فتيان شنعار ضد الأمريكان وترى كيف أن أمريكا استخدمت المعارضة العراقية ككلاب لاحتلال العراق، لابدها "اغتشت" أو تهيبت المصير القصاص الذي يجريه الآن أحرار العراق على الخونة الكلاب. بقي أن نتساءل، متى يعي نظام سوريا ذاته المعطيات، ويفتح جبهة الجولان، كي لا تعود أمريكا وتفكر بغزو الشام كليا؟!
وهكذا! فليس في الحال ما يبشر بخير لمستقبل أمريكا، ولا من يشير إلى جبروتها الذي كان. وقد انبرى مدير المخابرات الأمريكية الأسبق والعامل حاليا في معهد ماسوشتس للتكنولوجيا، السيد جون دويتش، شارحا الحال وجعا صراحة إلى الانسحاب من العراق*. وقال: " إننا لا نحقق أي تقدم، وإن الأسباب التي سقناها للحرب أما خاوية أو مستحيلة التحقق. بل تحدى الجمهوريين والديموقراطيين القائلين بأن على الولايات المتحدة إنجاز مهمتها في العراق أن يوضحوا بصورة عملية طبيعة هذه المهمة وإمكانية إنجازها على نحو واقعي ومدى التقدم الذي تحقق بالفعل على طريق هذا الإنجازات منذ بدء الحرب وحتى الآن! "
والسيد جون دويتش مدير مخابرات أمريكا. ومن الخطأ التشكيك برؤياه. لكن لو طلبنا من السيد دويتش أن يجيبنا بكلمتين فقط، على السؤال: بسبب ماذا باتت مهمة أمريكا في العراق مستحلية التحقيق؟
هل سيجيب بغير: (( المقاومة العراقية!)) ؟
فاشكروا الله أيها القراء أن الله سبحانه مد بعمركم فجعلكم تعيشون هذه الملحمة الأسطورة التي يسطرها إخوتكم فتيان شنعار وأنصارهم الطير الأبابيل!
إنها أسطورة موت أمريكا على يد أحرار العراق والعالم الثالث
فإبشروا ايها الفتيان بالنصر، وحيث ثقفتموهم!