lkhtabi
21-09-2005, 09:18 AM
شبكة البصرة
د. فيصل الفهد
حدّثنا أستاذ عراقي وطني شريف كيف أنّ الشعب العربي كان ينتفض عن بكرة أبيه لمجرّد سماعه خبر اختراق طائرة صهيونية للأجواء اللبنانية ، ثمّ يتساءل أين ذهبت هذه المشاعر أمام ما يحدث في كلّ لحظة في العراق وفلسطين ثمّ ذهب أبعد من ذلك حينما تناول موضوعاً خطيراً عن كيفية بناء الحسّ الوطني عند العراقيين أثناء وجود الاحتلال البريطاني وذكر أنّ المعلمين في ذلك الوقت كانوا يأخذون الطلاب في سفرات هدفها زرع وتقوية الشعور بالوطنية ورفض الاحتلال. وأردف قائلاً إنّه في إحدى المرات أخذتنا إدارة المدرسة (قبل أكثر من خمسين سنة) في سفره إلى قاعدة (سن الذبان) وهو الاسم السابق لقاعدة الحبانية العسكريّة (تقع في منطقة الخالدية بين الفلوجة والرمادي) وكانت تحت السيطرة البريطانية، وإدارة المدرسة تعلم جيداً أنّ البريطانيين لن يسمحوا لأحد بدخول القاعدة، وعندما وصل المشاركون في السفرة مداخل القاعدة الخارجية منعهم وزجرهم العسكر البريطانيون، وهنا استثمر معلمو المدرسة هذا الموقف من المحتلين ليقولوا للطلاب : انظروا كيف أنّ البريطانيين المحتلين يمنعونكم من دخول مكان هو جزء من بلدكم .. ووجدت هذه الواقعة طريقها لتترسخ في ذهن هؤلاء الفتية وتكبر معهم .. حتى تمّ إزاحة الاحتلال البريطاني من على صدور العراقيين.. وتساءل هذا الأستاذ : يا ترى هل يفعل المعلمون العراقيون هذه الأيام مع طلابهم كما كان يفعل معلمو أيام زمان ليثقفوهم ضدّ الاحتلال الأجنبي لبلدنا ؟!!
لقد أثار هذا الموضوع في نفسي تساؤلات عديدة ومخاوف لا سيّما حينما ترى ردود أفعال الناس في بلدنا تختلف من منطقة لأخرى إزاء ما أصاب بلدنا من خراب ودمار جراء جرائم الاحتلال وعملائه ، وهل أصبح قسم من العراقيين بلا شعور
أو إحساس وطني ؟ الأمر الذي يفسّر مواقفهم السلبية إزاء كلّ ما يحدث لوطنهم كلّ يوم !
وأنا هنا أستطيع وبثقة تامة أن أجيب بأنّ العرب والأكراد والتركمان والأجزاء الأخرى من ذوي الأصل العراقي الصحيح يتمتعون بوطنية عالية ، ولكن المشكلة التي تظهر أمامنا هي التفاوت في قدرتهم على التعبير عنها لأسباب تتعلّق بقابلية التحمّل لدى هذه الفئة أو تلك في هذه المنطقة أو غيرها للتعاطي مع ما ينتجه المحتلون وعملاؤهم من أوضاع وظروف بالغة الصعوبة تجعل قسما لا يستهان بـه من العراقيين الشرفاء أضعف من أن يستوعبوها وبما يظهر تصرفات تعطي انطباعات سلبية عن سلوك هؤلاء قد تعني أنّهم بلا حسّ وطني .
إنّ واحدة من الحقائق المهمة التي يجب أن يدركها الجميع هي أنّنا نتعامل مع أعداء محترفين يتعاملون معنا في ضوء خطط وبرامج مدروسة أعدّت في مطابخ الحرب النفسية القذرة التي برع فيها الأمريكيون بعد سلسلة طويلة من تجارب عدوانهم على شعوب كثيرة أخرى سبقتنا في تحمّل جور الاستعمار الأمريكي رغم أنّ تلك الشعوب عندما قارعت الاحتلال الأمريكي كانت تجد من يقف معها من قوى دولية كبرى وإقليمية أسهمت في تخلّص تلك الشعوب من نير الاستبداد الأمريكي . وهذا يعكس في حالة العراق حيث يقف العراقيون لوحدهم في مواجهة المحتلين الأمريكان وعملائهم .
لقد آثار كثيرون من الناس تساؤلات لم يجدوا لها إجابات مقنعة ، منها : هل إنّ الأمريكيين بكلّ ما يمتلكونه من تكنولوجيا وتقدّم وإمكانات هائلة عاجزون عن أن يحلوا المشاكل التي خلقوها في العراق لا سيّما في قطاع الخدمات ( الماء والكهرباء ... الخ) ؟ وإذا ما عدنا إلى الحقيقة آنفة الذكر أعلاه ( الحرب النفسية ) فسنجد أنّ إهمال الأمريكان للخدمات متعمّد وكذا الأمور الأخرى ، وكلّ ذلك ليخلقوا عند المواطن العراقي الشعور بالإحباط ، ولايعد هذا المواطن يفكّر إلاّ بمشاكله الشخصيّة والعائلية ( الأكل ، الماء ، الأمان لـه ولعائلته ، الوقود ... الخ ) . وهذا يعني في سلّم الأولويات السا يكولوجية أنّ الإنسان العادي بطبيعته يقدّم الذاتي الشخصي العائلي على العام الوطني المجتمعي ، ولذلك نؤكّد هنا أنّ المحتلين الأمريكان وذيولهم يتعمّدون إهمال كلّ شيء ليجعلوا كلّ عراقي أو كلّ عائلة جزيرة تعوم لوحدها في بحور من المشاكل والاختناقات وتعمل هذه العائلة ما في وسعها للتعاطي معها بما يخدمها ذاتياً ، حتى وإن كان ذلك يتمّ تجاوزاً على حقوق الآخرين أو على حساب المتطلبات الوطنية !!
كذلك يتعمّد المحتلّ ويصرّ على التواجد في الأماكن التي يتعرّض فيها لهجمات قوية ومؤذية من المقاومة الوطنية العراقية ، وهذا أيضاً فيه جانب من الحرب النفسية هدفه إيصال العراقيين إلى درجة العجز عبر خلق القناعة لديهم أنّ المقاومة مهما فعلت فإنّ الأمريكيين باقون صامدون ولديهم جيوش عدة وعدداً أكبر من أن تؤثر عليهم كلّ هذه العمليات ، وأنّ الخيار العسكري خيار فاشل ، على العراقيين أن يتخلوا عن المقاومة ويركنوا لما فرضه الاحتلال عليهم من واقع .
وأضيف إلى ما سبق مسألة مهمة نتذكّرها جميعاً تدخل أيضاً كجزء من الحرب النفسية الأمريكية ضدّ الشعب العراقي تلك التي مارستها قوات الاحتلال في الأيام الأولى التي دخلت فيها العراق حيث بدأت أرتال منتخبة من تلك القوات تتجوّل في شوارع المدن، وبالذات في بغداد إضافة إلى تسيير أعداد من الجنود المشاة في الأزقة والشوارع والأحياء الشعبية وهم يوجهون التحية للمواطنين وكان هدف كلّ ذلك هو خلق بيئة نفسية لدى المواطنين تتقبل هذا المشهد اليومي لوجود قوات الاحتلال ، وبمعنى أدقّ كسر الحاجز النفسي لدى المواطن الذي يرفض الاحتلال ، ويصبح وجود الاحتلال وحركته جزءاً من المنظر الذي يألفه العراقيون في حياتهم اليومية ، وبهذا لن ينفر المواطن العراقي من الاحتلال ولن يكن لـه موقف سلبي منه .. إلاّ أنّ هذه الخطط النفسية فشلت فشلت ذريعاً !!
صحيح أنّ لأمريكا إمكانيات عملاقة في كلّ شيء وهيأت لاحتلال العراق منذ عشرات السنين إلاّ أنّ إرادة الله جعلتهم يتعاملون مع شعب صعب عجب لحمه مرّ وعقله نيّر هو من أثمن ما خصّه الله بـه ، ومن هذا المنطلق كان للعراقيين قول آخر وخطط أذكى لمواجهة ما خطّط لـه الاحتلال وعملاؤه .. فقد يسرّ الله لأبناء العراق الأذكياء الشجعان الوطنيين الشرفاء وألهمهم بكلّ ما أفشل أغلب الخطط والبرامج التي أعدّتها مطابخ الحرب النفسية الأمريكية والصهيونية والبريطانية ، فمنذ اللحظات الأولى لدخول القوات المحتلة المدن العراقية وبالذات العاصمة العزيزة بغداد كان للمقاومة برنامجها لتقويض برامج الاحتلال فحرموا على الأمريكيين التجوال راجلين أو بعرباتهم ومدرعاتهم بل استطاعوا أن يضربوا هد فين بحجر واحد عندما جعلوا الأمريكيين يبتعدون عن العراقيين مشاة أو وسائط نقل مسافات كبيرة ووضعوا لافتات بالعربية تحذّر التقرّب منهم وفي ذات الوقت جعلت العراقيين يجتهدون في الابتعاد عن المحتلين ، وفي الحالتين زرع الشك والخوف بين الطرفين ، فالأمريكيون يخشون من تقرّب العراقيين منهم خوفاً من أن يكون من بينهم أفراد من المقاومة يهاجمون القوات الأمريكية ويكبدونها الخسائر الفادحة ، والعراقيون يبتعدون عن القوات الأمريكية خشية أن تقوم المقاومة باستهداف هذه القوات، ويكون ردّ فعل الأمريكي كعادتهم توجيه أسلحتهم إلى المواطنين في الشوارع فيقتلون كلّ من يصدف تواجده حتى ولو على بعد كيلومترات .
إذن فهذا الجانب النفسي المهم من المشروع الأمريكي فشل فشلاً ذريعاً، ومن هنا نجد أنّ الأمريكيين ركزوا على مسألة مفصلية مهمة وهي اعتماد الخونة والجواسيس والعملاء ، وهؤلاء أيضاً أصبحوا نكرات ، فحتى من تستهدفهم المقاومة بحكمها العادل فانهم سيكونون لعنة على عوائلهم وعشائرهم حتى يتنكر الناس لهم وتصاب تلك العشائر والعوائل بمصاب الخيانة والعمالة ، ويمكن لأيّ منا أن يلاحظ كيف أنّ العائلة والعشيرة العراقية تفخر وتتباهى عندما يستشهد أحد أفرادها وهو يقوم بالتصدّي للاحتلال وكيف يكون بلاء وحزن وخجل عشيرة أو عائلة أخرى عندما يقتل أحد أفرادها بعدما تثبت عليه تهمة العمالة والخيانة .. فالحسّ الوطني والحمد لله مازال وسيبقى لدى كلّ العراقيين الشرفاء فعالاً، وتبقى قضية بالغة الأهمية إلاّ أنّها ليست مستعصية على الشعب العراقي ومقاومته الباسلة تلك هي قضية العملاء والجواسيس الذين جلبهم الاحتلال على ظهر دباباته والذين عاثوا في الأرض فساداً بعد أن سلطوا على رقاب شعبنا ، وستبقى المقاومة تتربّص بهم وستنال منهم رغم أنّهم يختبئون في جحور وأقبية المنطقة الخضراء كالفئران المذعورة ولا سبيل لهم إلى الناس إلاّ عبر وسائل الإعلام التي أوجدوها لتكون وريدهم الفاسد إلى العراقيين . ولذلك فإنّ على كلّ الشعب العراقي الذي أصبح مدركاً عارفاً متيقناً بكلّ مؤامرة الاحتلال ودهاليزها أن يدعم المقاومة من خلال المطالبة بمحاكمة كلّ هؤلاء الجواسيس محاكمة عادلة رغم أنّ القانون العراقي ينص صراحة على أنّ كلّ من يثبت أنّه يعمل جاسوساً أو يتعاون مع الأجنبي ضدّ بلده ( إن كان هؤلاء المجرمون يعتبرون أنفسهم عراقيين ) أن تكون عقوبته الإعدام ، وفي حالة أنّهم لا يعتبرون أنفسهم عراقيين فإنّهم والحالة هذه يعاملون كما يعامل أيّ من قوات الاحتلال ، أي أن يكونوا هدفاً مباشراً لأسلحة العراقيين الشرفاء ، فإذا تخلّصنا من هؤلاء وذيولهم فإنّنا سنقصم ظهر أمريكا ، فبدون هؤلاء الجواسيس ستكون إدارة بوش كمن فقد كلّ حواسه في العراق .
إنّ هذا الموقف جزء أساسي مما يجب أن يلتزم بـه كلّ عراقي وطني شريف يريد لوطنه العزيز أن يستعيد عافيته واستقلاله ودوره الإنساني الحضاري العظيم ، وليتذكّر كلّ عراقي في شمال العراق أو وسطه أو جنوبه ، وفي شرقه وغربه ، أنّ كلّ ما يعانيه في حياته اليومية ويتعرّض لـه إنّما سببه الأول والأخير هو الاحتلال وعملائه وليس أيّ سبب آخر . فنحن لم نعرف الإرهاب وهذا الانفلات الأمني من قبل ، كما أنّ المحتلين ومن جاء معهم هم من دمّروا العراق وسرقوا ثرواته وخيراته وبددوا تراثه وآثاره وحطموامؤسساته وشردوا وقتلوا خيرة أبنائه عدا مئات الآلاف الذين يقبعون في المعتقلات والسجون تحت لافتة الحرية والديمقراطية .. فأيّة حرية وديمقراطية هذه التي لا يعرف دعاتها إلاّ لغة الموت والقهر والاضطهاد والانتقام والتنكيل بحقّ كلّ من يعارضهم ؟!
لقد فرح بعض العراقيين الذين أعمت بصيرتهم بعض الزيادات في أجورهم ونسي هؤلاء أنّ هذه الزيادات ملطخة بالعار وبالدماء والظلم لأنّها من قوت ملايين من العراقيين الذين فصلوا من أعمالهم وتمّ رميهم في قارعة الطريق هم وعوائلهم ، ويتجاهل مع الأسف أو يتناسى هؤلاء الذين زيدت رواتبهم أنّ من قرّروا هذه الزيادات يسرقون يومياً مليارات من الدولارات يضعونها في البنوك الأجنبية والعربيّة كتهيئة لخطة هربهم مع المحتلين المتوقعة في أيّة لحظة ، أي أنّ المحتلين وعملائهم يكمون أفواه بعض العراقيين بزيادات بسيطة بالرواتب بينمكا هم ينعمون بحصادهم المليارات من أموال الشعب العراقي . ثمّ نقول لأبناء شعبنا : أين تقف هذه الزيادات في الرواتب في بلد لا أمن ولا استقرار فيه؟ وأين هذه الزيادات من الارتفاع غير الطبيعي في الأسعار وفقدان كامل للخدمات ؟
إنّها دعوة صادقة لأن يعود كلّ عراقي حرّ أبي شريف إلى وضعه الطبيعي المتوازن وأنت يراجع ذاته ويحسب الأمور بعقلانية وبروح الوطنية النقية بعيداً عن الاستجابة لمحاولات المحتل وعملائه لدقّ إسفين في بناء النسيج الوطني العراقي الواحد ، وليرفع كلّ منا الشعار الوطني الموحد : لا للاحتلال وعملائه ، نعم للمقاومة الوطنية بكلّ أشكالها ، نعم للعراق العربي المستقل الموحد ، لا للعملية السياسية ولدستورهم العفن .
شبكة البصرة
الاربعاء 17 شعبان 1426 / 21 أيلول 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
د. فيصل الفهد
حدّثنا أستاذ عراقي وطني شريف كيف أنّ الشعب العربي كان ينتفض عن بكرة أبيه لمجرّد سماعه خبر اختراق طائرة صهيونية للأجواء اللبنانية ، ثمّ يتساءل أين ذهبت هذه المشاعر أمام ما يحدث في كلّ لحظة في العراق وفلسطين ثمّ ذهب أبعد من ذلك حينما تناول موضوعاً خطيراً عن كيفية بناء الحسّ الوطني عند العراقيين أثناء وجود الاحتلال البريطاني وذكر أنّ المعلمين في ذلك الوقت كانوا يأخذون الطلاب في سفرات هدفها زرع وتقوية الشعور بالوطنية ورفض الاحتلال. وأردف قائلاً إنّه في إحدى المرات أخذتنا إدارة المدرسة (قبل أكثر من خمسين سنة) في سفره إلى قاعدة (سن الذبان) وهو الاسم السابق لقاعدة الحبانية العسكريّة (تقع في منطقة الخالدية بين الفلوجة والرمادي) وكانت تحت السيطرة البريطانية، وإدارة المدرسة تعلم جيداً أنّ البريطانيين لن يسمحوا لأحد بدخول القاعدة، وعندما وصل المشاركون في السفرة مداخل القاعدة الخارجية منعهم وزجرهم العسكر البريطانيون، وهنا استثمر معلمو المدرسة هذا الموقف من المحتلين ليقولوا للطلاب : انظروا كيف أنّ البريطانيين المحتلين يمنعونكم من دخول مكان هو جزء من بلدكم .. ووجدت هذه الواقعة طريقها لتترسخ في ذهن هؤلاء الفتية وتكبر معهم .. حتى تمّ إزاحة الاحتلال البريطاني من على صدور العراقيين.. وتساءل هذا الأستاذ : يا ترى هل يفعل المعلمون العراقيون هذه الأيام مع طلابهم كما كان يفعل معلمو أيام زمان ليثقفوهم ضدّ الاحتلال الأجنبي لبلدنا ؟!!
لقد أثار هذا الموضوع في نفسي تساؤلات عديدة ومخاوف لا سيّما حينما ترى ردود أفعال الناس في بلدنا تختلف من منطقة لأخرى إزاء ما أصاب بلدنا من خراب ودمار جراء جرائم الاحتلال وعملائه ، وهل أصبح قسم من العراقيين بلا شعور
أو إحساس وطني ؟ الأمر الذي يفسّر مواقفهم السلبية إزاء كلّ ما يحدث لوطنهم كلّ يوم !
وأنا هنا أستطيع وبثقة تامة أن أجيب بأنّ العرب والأكراد والتركمان والأجزاء الأخرى من ذوي الأصل العراقي الصحيح يتمتعون بوطنية عالية ، ولكن المشكلة التي تظهر أمامنا هي التفاوت في قدرتهم على التعبير عنها لأسباب تتعلّق بقابلية التحمّل لدى هذه الفئة أو تلك في هذه المنطقة أو غيرها للتعاطي مع ما ينتجه المحتلون وعملاؤهم من أوضاع وظروف بالغة الصعوبة تجعل قسما لا يستهان بـه من العراقيين الشرفاء أضعف من أن يستوعبوها وبما يظهر تصرفات تعطي انطباعات سلبية عن سلوك هؤلاء قد تعني أنّهم بلا حسّ وطني .
إنّ واحدة من الحقائق المهمة التي يجب أن يدركها الجميع هي أنّنا نتعامل مع أعداء محترفين يتعاملون معنا في ضوء خطط وبرامج مدروسة أعدّت في مطابخ الحرب النفسية القذرة التي برع فيها الأمريكيون بعد سلسلة طويلة من تجارب عدوانهم على شعوب كثيرة أخرى سبقتنا في تحمّل جور الاستعمار الأمريكي رغم أنّ تلك الشعوب عندما قارعت الاحتلال الأمريكي كانت تجد من يقف معها من قوى دولية كبرى وإقليمية أسهمت في تخلّص تلك الشعوب من نير الاستبداد الأمريكي . وهذا يعكس في حالة العراق حيث يقف العراقيون لوحدهم في مواجهة المحتلين الأمريكان وعملائهم .
لقد آثار كثيرون من الناس تساؤلات لم يجدوا لها إجابات مقنعة ، منها : هل إنّ الأمريكيين بكلّ ما يمتلكونه من تكنولوجيا وتقدّم وإمكانات هائلة عاجزون عن أن يحلوا المشاكل التي خلقوها في العراق لا سيّما في قطاع الخدمات ( الماء والكهرباء ... الخ) ؟ وإذا ما عدنا إلى الحقيقة آنفة الذكر أعلاه ( الحرب النفسية ) فسنجد أنّ إهمال الأمريكان للخدمات متعمّد وكذا الأمور الأخرى ، وكلّ ذلك ليخلقوا عند المواطن العراقي الشعور بالإحباط ، ولايعد هذا المواطن يفكّر إلاّ بمشاكله الشخصيّة والعائلية ( الأكل ، الماء ، الأمان لـه ولعائلته ، الوقود ... الخ ) . وهذا يعني في سلّم الأولويات السا يكولوجية أنّ الإنسان العادي بطبيعته يقدّم الذاتي الشخصي العائلي على العام الوطني المجتمعي ، ولذلك نؤكّد هنا أنّ المحتلين الأمريكان وذيولهم يتعمّدون إهمال كلّ شيء ليجعلوا كلّ عراقي أو كلّ عائلة جزيرة تعوم لوحدها في بحور من المشاكل والاختناقات وتعمل هذه العائلة ما في وسعها للتعاطي معها بما يخدمها ذاتياً ، حتى وإن كان ذلك يتمّ تجاوزاً على حقوق الآخرين أو على حساب المتطلبات الوطنية !!
كذلك يتعمّد المحتلّ ويصرّ على التواجد في الأماكن التي يتعرّض فيها لهجمات قوية ومؤذية من المقاومة الوطنية العراقية ، وهذا أيضاً فيه جانب من الحرب النفسية هدفه إيصال العراقيين إلى درجة العجز عبر خلق القناعة لديهم أنّ المقاومة مهما فعلت فإنّ الأمريكيين باقون صامدون ولديهم جيوش عدة وعدداً أكبر من أن تؤثر عليهم كلّ هذه العمليات ، وأنّ الخيار العسكري خيار فاشل ، على العراقيين أن يتخلوا عن المقاومة ويركنوا لما فرضه الاحتلال عليهم من واقع .
وأضيف إلى ما سبق مسألة مهمة نتذكّرها جميعاً تدخل أيضاً كجزء من الحرب النفسية الأمريكية ضدّ الشعب العراقي تلك التي مارستها قوات الاحتلال في الأيام الأولى التي دخلت فيها العراق حيث بدأت أرتال منتخبة من تلك القوات تتجوّل في شوارع المدن، وبالذات في بغداد إضافة إلى تسيير أعداد من الجنود المشاة في الأزقة والشوارع والأحياء الشعبية وهم يوجهون التحية للمواطنين وكان هدف كلّ ذلك هو خلق بيئة نفسية لدى المواطنين تتقبل هذا المشهد اليومي لوجود قوات الاحتلال ، وبمعنى أدقّ كسر الحاجز النفسي لدى المواطن الذي يرفض الاحتلال ، ويصبح وجود الاحتلال وحركته جزءاً من المنظر الذي يألفه العراقيون في حياتهم اليومية ، وبهذا لن ينفر المواطن العراقي من الاحتلال ولن يكن لـه موقف سلبي منه .. إلاّ أنّ هذه الخطط النفسية فشلت فشلت ذريعاً !!
صحيح أنّ لأمريكا إمكانيات عملاقة في كلّ شيء وهيأت لاحتلال العراق منذ عشرات السنين إلاّ أنّ إرادة الله جعلتهم يتعاملون مع شعب صعب عجب لحمه مرّ وعقله نيّر هو من أثمن ما خصّه الله بـه ، ومن هذا المنطلق كان للعراقيين قول آخر وخطط أذكى لمواجهة ما خطّط لـه الاحتلال وعملاؤه .. فقد يسرّ الله لأبناء العراق الأذكياء الشجعان الوطنيين الشرفاء وألهمهم بكلّ ما أفشل أغلب الخطط والبرامج التي أعدّتها مطابخ الحرب النفسية الأمريكية والصهيونية والبريطانية ، فمنذ اللحظات الأولى لدخول القوات المحتلة المدن العراقية وبالذات العاصمة العزيزة بغداد كان للمقاومة برنامجها لتقويض برامج الاحتلال فحرموا على الأمريكيين التجوال راجلين أو بعرباتهم ومدرعاتهم بل استطاعوا أن يضربوا هد فين بحجر واحد عندما جعلوا الأمريكيين يبتعدون عن العراقيين مشاة أو وسائط نقل مسافات كبيرة ووضعوا لافتات بالعربية تحذّر التقرّب منهم وفي ذات الوقت جعلت العراقيين يجتهدون في الابتعاد عن المحتلين ، وفي الحالتين زرع الشك والخوف بين الطرفين ، فالأمريكيون يخشون من تقرّب العراقيين منهم خوفاً من أن يكون من بينهم أفراد من المقاومة يهاجمون القوات الأمريكية ويكبدونها الخسائر الفادحة ، والعراقيون يبتعدون عن القوات الأمريكية خشية أن تقوم المقاومة باستهداف هذه القوات، ويكون ردّ فعل الأمريكي كعادتهم توجيه أسلحتهم إلى المواطنين في الشوارع فيقتلون كلّ من يصدف تواجده حتى ولو على بعد كيلومترات .
إذن فهذا الجانب النفسي المهم من المشروع الأمريكي فشل فشلاً ذريعاً، ومن هنا نجد أنّ الأمريكيين ركزوا على مسألة مفصلية مهمة وهي اعتماد الخونة والجواسيس والعملاء ، وهؤلاء أيضاً أصبحوا نكرات ، فحتى من تستهدفهم المقاومة بحكمها العادل فانهم سيكونون لعنة على عوائلهم وعشائرهم حتى يتنكر الناس لهم وتصاب تلك العشائر والعوائل بمصاب الخيانة والعمالة ، ويمكن لأيّ منا أن يلاحظ كيف أنّ العائلة والعشيرة العراقية تفخر وتتباهى عندما يستشهد أحد أفرادها وهو يقوم بالتصدّي للاحتلال وكيف يكون بلاء وحزن وخجل عشيرة أو عائلة أخرى عندما يقتل أحد أفرادها بعدما تثبت عليه تهمة العمالة والخيانة .. فالحسّ الوطني والحمد لله مازال وسيبقى لدى كلّ العراقيين الشرفاء فعالاً، وتبقى قضية بالغة الأهمية إلاّ أنّها ليست مستعصية على الشعب العراقي ومقاومته الباسلة تلك هي قضية العملاء والجواسيس الذين جلبهم الاحتلال على ظهر دباباته والذين عاثوا في الأرض فساداً بعد أن سلطوا على رقاب شعبنا ، وستبقى المقاومة تتربّص بهم وستنال منهم رغم أنّهم يختبئون في جحور وأقبية المنطقة الخضراء كالفئران المذعورة ولا سبيل لهم إلى الناس إلاّ عبر وسائل الإعلام التي أوجدوها لتكون وريدهم الفاسد إلى العراقيين . ولذلك فإنّ على كلّ الشعب العراقي الذي أصبح مدركاً عارفاً متيقناً بكلّ مؤامرة الاحتلال ودهاليزها أن يدعم المقاومة من خلال المطالبة بمحاكمة كلّ هؤلاء الجواسيس محاكمة عادلة رغم أنّ القانون العراقي ينص صراحة على أنّ كلّ من يثبت أنّه يعمل جاسوساً أو يتعاون مع الأجنبي ضدّ بلده ( إن كان هؤلاء المجرمون يعتبرون أنفسهم عراقيين ) أن تكون عقوبته الإعدام ، وفي حالة أنّهم لا يعتبرون أنفسهم عراقيين فإنّهم والحالة هذه يعاملون كما يعامل أيّ من قوات الاحتلال ، أي أن يكونوا هدفاً مباشراً لأسلحة العراقيين الشرفاء ، فإذا تخلّصنا من هؤلاء وذيولهم فإنّنا سنقصم ظهر أمريكا ، فبدون هؤلاء الجواسيس ستكون إدارة بوش كمن فقد كلّ حواسه في العراق .
إنّ هذا الموقف جزء أساسي مما يجب أن يلتزم بـه كلّ عراقي وطني شريف يريد لوطنه العزيز أن يستعيد عافيته واستقلاله ودوره الإنساني الحضاري العظيم ، وليتذكّر كلّ عراقي في شمال العراق أو وسطه أو جنوبه ، وفي شرقه وغربه ، أنّ كلّ ما يعانيه في حياته اليومية ويتعرّض لـه إنّما سببه الأول والأخير هو الاحتلال وعملائه وليس أيّ سبب آخر . فنحن لم نعرف الإرهاب وهذا الانفلات الأمني من قبل ، كما أنّ المحتلين ومن جاء معهم هم من دمّروا العراق وسرقوا ثرواته وخيراته وبددوا تراثه وآثاره وحطموامؤسساته وشردوا وقتلوا خيرة أبنائه عدا مئات الآلاف الذين يقبعون في المعتقلات والسجون تحت لافتة الحرية والديمقراطية .. فأيّة حرية وديمقراطية هذه التي لا يعرف دعاتها إلاّ لغة الموت والقهر والاضطهاد والانتقام والتنكيل بحقّ كلّ من يعارضهم ؟!
لقد فرح بعض العراقيين الذين أعمت بصيرتهم بعض الزيادات في أجورهم ونسي هؤلاء أنّ هذه الزيادات ملطخة بالعار وبالدماء والظلم لأنّها من قوت ملايين من العراقيين الذين فصلوا من أعمالهم وتمّ رميهم في قارعة الطريق هم وعوائلهم ، ويتجاهل مع الأسف أو يتناسى هؤلاء الذين زيدت رواتبهم أنّ من قرّروا هذه الزيادات يسرقون يومياً مليارات من الدولارات يضعونها في البنوك الأجنبية والعربيّة كتهيئة لخطة هربهم مع المحتلين المتوقعة في أيّة لحظة ، أي أنّ المحتلين وعملائهم يكمون أفواه بعض العراقيين بزيادات بسيطة بالرواتب بينمكا هم ينعمون بحصادهم المليارات من أموال الشعب العراقي . ثمّ نقول لأبناء شعبنا : أين تقف هذه الزيادات في الرواتب في بلد لا أمن ولا استقرار فيه؟ وأين هذه الزيادات من الارتفاع غير الطبيعي في الأسعار وفقدان كامل للخدمات ؟
إنّها دعوة صادقة لأن يعود كلّ عراقي حرّ أبي شريف إلى وضعه الطبيعي المتوازن وأنت يراجع ذاته ويحسب الأمور بعقلانية وبروح الوطنية النقية بعيداً عن الاستجابة لمحاولات المحتل وعملائه لدقّ إسفين في بناء النسيج الوطني العراقي الواحد ، وليرفع كلّ منا الشعار الوطني الموحد : لا للاحتلال وعملائه ، نعم للمقاومة الوطنية بكلّ أشكالها ، نعم للعراق العربي المستقل الموحد ، لا للعملية السياسية ولدستورهم العفن .
شبكة البصرة
الاربعاء 17 شعبان 1426 / 21 أيلول 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس