lkhtabi
20-09-2005, 07:30 PM
مفكرة الإسلام: الدعوة التي أطلقها رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق 'عبد العزيز الحكيم' في يوم الخميس 11/ آب الجاري، بمناسبة الذكرى الثانية لمقتل أخيه 'محمد باقر الحكيم', والتي طالب فيها عبد العزيز الحكيم بصريح العبارة، ودون لفّ أو دوران، بفصل مناطق الشيعة في جنوب العراق ووسطه عن السلطة المركزية في بغداد، تحت حجة إقامة نظام كونفيدرالي في العراق، الأمر الذي يتطابق مع أهداف الاحتلال الإمبريالي للعراق، ويتوافق مع التوجهات السياسية الأمريكية الرامية إلى تجزئة العراق وتمزيق نسسيج بنائه.
تفيد التقارير الإعلامية والصحفية، أن السفير الأمريكي في بغداد هو الذي طلب من رئيس الائتلاف العراقي الموحد – الشيعة - عبد العزيز الحكيم الإسراع في هذا الطلب ليندرج في مشروع الدستور العراقي الجديد من جهة، ومن جهة أخرى لتقدير مدى وقدرة التحضيرات الأمريكية لمواجهة احتمال عودة السيطرة المركزية إلى بغداد، بعد الانسحاب الأمريكي المتوقع من العراق! في اليوم التالي لدعوة الحكيم، أي في صلاة يوم الجمعة، أعلن بعضُ خطباء المساجد في جنوب العراق تأييدهم لدعوة الحكيم لفصل جنوب العراق ذي الأغلبية الشيعية عن السلطة المركزية في بغداد. ووصل الأمر بأن قال أحد قادة حزب الحكيم: 'لم نحصل من الحكم المركزي في بغداد إلاّ على الموت'! كما دعا الخطباء 'أن يكون الإسلام هو الدين الرسمي للعراق, والذي يمكن أن يستمدّ منه [المشرعون] أسس التشريع للدستور العراقي القادم'.
من جهة أخرى، ظهرت على الساحة العراقية عدّة مواقف معارضة لمطالب الحكيم، ما يعني أن الحكيم لا يعبّر عن رأي الشارع العراقي، ولا يمثل أيّة طائفة من طوائفه، وفي هذا السياق اعتبر الشيخ الصميدعي - أحد أهمّ الأئمة العراقيين - 'أن الدعوة للكونفدرالية تعني التمايز والتعصب على الإخوة العراقيين، وهو أمر يرفضه العراقيون، والعراق ليس هكذا'! وكان الزعيم العراقي مقتدى الصدر قد أعلن - على رؤوس الأشهاد - رفضه للكونفدرالية في العراق بظلّ الاحتلال.
إذا أمعنّا النظر في كلام الحكيم، ودققنا بدعوته إلى الانفلات من سيطرة السلطة المركزية في بغداد، نجد أن هذه الدعوة جاءت في ظروف استثنائية تشتدّ فيها قدرة المقاومة الوطنية الباسلة في العراق، وترتفع وتيرة الضربات العراقية الموجعة للاحتلال، كما أنّها تتزامن مع اقتراب لحظة السيطرة للقوى العراقية على بغداد، وتأتي في وقت تتواتر فيه الدعوات البريطانية والأمريكية والإيطالية للانسحاب من العراق، والبدء في تقليص عدد قواتهم من المدن الرئيسة بسبب ما تتعرض له من ضربات موجعة واستنزاف متواصل، وبسبب زيادة أزمة حكومات تلك الدول المحتلّة للعراق بعد انتفاء مصداقيتها أمام شعوبها.
تأتي دعوة الحكيم انطلاقًا من توجهات الإدارة الأمريكية ذات الرؤى الصهيونية، التي تسعى لتقسيم العراق وتقطيعه، وتدعو لوضع الفواصل بين طوائفه ومذاهبه وشيعه!
وكان أحمد الجلبي 'المحسوب على المخابرات الأمريكية' هو أول مَن دعا إلى فصل جنوب العراق عن جسم الدولة المركزية؛ لأن الجنوب يمتلك - حسب رأيه - معظم الثروة النفطية في العراق، وهي من حقّ أهل الجنوب، حسب قوله.
بلا شكّ إن دعوة الحكيم تلقى الدعم والرعاية من المحتل الأمريكي، وتجد لها طريقًا سالكًا إلى مشروع الدستور العراقي الجديد؛ ذلك لأن الحكيم يعبّر بالضرورة عن قوى دولية وإقليمية ومحلية تتضافر جهودها من أجل إضعاف العراق وتقسيمه بل وتمزيقه، وباتت العملية السياسية تبادلية بين الأطراف، فكلما أسرعت خطوات التقسيم كلما أسرعت قوات الاحتلال بالانسحاب من العراق، وهذا الدور ليس غريبًا على عبد العزيز الحكيم, فهو أحد أبرز العملاء الذين دخلوا العراق مكللاً بأطواق النصر الأمريكية، ومحاطًا بحماية الدبابات والقاذفات، التي قتلت آلاف الأطفال والأبرياء العراقيين!
تطلّ الدعوة إلى الطائفية سافرةً، وتنطلق العبارات من قيودها، دونما ورع أو خجلٍ، تطالب بإنشاء الوطن العراقي إنشاءً جديدًا، وتدعو أن تكون صياغته الجديدة على أساس من الجهوية والعرقية والطائفية والإثنية، والقومية... إلخ!
عبد العزيز الحكيم يريد أن يعيد العراق إلى عهد العصبيات العشائرية والقبلية والطائفية التي عفا عليها الزمن وتجاوزتها السنون.
قبل أن ينتشر الإسلام في المنطقة العربية - منطلقًا من مكة المكرمّة - كانت العصبية القبلية هي السائدة في أرض الرافدين، ووصل التفكك السياسي في العراق إلى أقصى درجاته بفعل التناحر بين القبائل، وسيادة منطق العصبيات. وعندما حضر الفتح الإسلامي للعراق في القرن الأول الهجري، وانتشر الفكر الإسلامي وعمّت العقيدة الإيمانية، سادت القيم والمثل العليا، التي حققت في جانبها السياسي استقرارًا وهدوءًا، وسيادة التعايش الأخوي بين الناس، وتحقق الانتماء إلى الفكرة 'الإسلام' والارتباط بالوطن والأمة بدلاً من الانتماء إلى القبيلة والعشيرة والطائفة.
سادت العراق الأنظمة الإدارية المتبعة في النظام الإسلامي، حيثُ جاء الإسلام بنظم إدارية جديدة تجاوزت التقسيمات السابقة.
مع مرور الزمن، وتطور مفهوم الدولة، ترسخ انتماء الإنسان العربي بالعراق في أمته العربية، وقوي التزامه في دولته الوطنية. فالإسلام منذُ أكثر من ألف وأربعمائة سنة أنهى الانتماء الطائفي وقضى على التعصب القبلي والعشائري. والحقبة التاريخية المعاصرة تشهد تطورًا في بنية الكيانات القطرية وتبدلها، وتشهد هذه الحقبة أيضًا تغييرًا في التكتلات الإقليمية والدولية 'الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي... إلخ'.
إلاّ أن عبد العزيز الحكيم ومَن لفّ لفّه - ومن خلفهم الإدارة الأمريكية - يريدون إعادة الإنسان العربي في العراق إلى حقبة ما قبل الدولة! إلى حقبة الدويلات الطائفية الصغيرة، ومن ثمّ إلى دويلات القبائل المتناحرة! وبمعنى آخر، يريدون أن تكون 'إسرائيل' هي الدولة اليهودية الأكبر والأقدر والأقوى في المنطقة، بين مجموعة الدويلات المتناثرة والمتصارعة على مناطق النفط، ومنابع الماء، ومنابت الكلأ.
عبد العزيز الحكيم يريد أن يحقق المشروع الأمريكي الذي حمله جورج بوش ورامسفيلد إلى المنطقة، وهو المشروع الذي لاقى الفشل الذريع، وأصابه الموت في مهده؛ ذلك لأنّ التقسيمات التي جاءت فيها الإدارة الأمريكية لم تعد تلقي بالاً لأحد من أهل العراق، وبات الهمّ الأكبر للشعب العراقي مواصلة ضخّ شريان المقاومة بدم الشهداء المتجدد، ومحاصرة القوى الاحتلالية، وتطهير أرض الرافدين من العملاء، الذين جلبهم المحتل الأمريكي بطائراته ودباباته.
وبات الخوف يقضّ مضاجع الأمريكيين في مناطق نهبهم الدائمة، ومرابع استثماراتهم الرخيصة! فالمصالح والثروات الأمريكية باتت مكدسة في الخليج العربي، والشرارة قد تشعل الحقلَ كلهُ!
صبري حجير كاتب
فلسطيني مقيم في السويد
sabri_hajir@hotmail.com
تفيد التقارير الإعلامية والصحفية، أن السفير الأمريكي في بغداد هو الذي طلب من رئيس الائتلاف العراقي الموحد – الشيعة - عبد العزيز الحكيم الإسراع في هذا الطلب ليندرج في مشروع الدستور العراقي الجديد من جهة، ومن جهة أخرى لتقدير مدى وقدرة التحضيرات الأمريكية لمواجهة احتمال عودة السيطرة المركزية إلى بغداد، بعد الانسحاب الأمريكي المتوقع من العراق! في اليوم التالي لدعوة الحكيم، أي في صلاة يوم الجمعة، أعلن بعضُ خطباء المساجد في جنوب العراق تأييدهم لدعوة الحكيم لفصل جنوب العراق ذي الأغلبية الشيعية عن السلطة المركزية في بغداد. ووصل الأمر بأن قال أحد قادة حزب الحكيم: 'لم نحصل من الحكم المركزي في بغداد إلاّ على الموت'! كما دعا الخطباء 'أن يكون الإسلام هو الدين الرسمي للعراق, والذي يمكن أن يستمدّ منه [المشرعون] أسس التشريع للدستور العراقي القادم'.
من جهة أخرى، ظهرت على الساحة العراقية عدّة مواقف معارضة لمطالب الحكيم، ما يعني أن الحكيم لا يعبّر عن رأي الشارع العراقي، ولا يمثل أيّة طائفة من طوائفه، وفي هذا السياق اعتبر الشيخ الصميدعي - أحد أهمّ الأئمة العراقيين - 'أن الدعوة للكونفدرالية تعني التمايز والتعصب على الإخوة العراقيين، وهو أمر يرفضه العراقيون، والعراق ليس هكذا'! وكان الزعيم العراقي مقتدى الصدر قد أعلن - على رؤوس الأشهاد - رفضه للكونفدرالية في العراق بظلّ الاحتلال.
إذا أمعنّا النظر في كلام الحكيم، ودققنا بدعوته إلى الانفلات من سيطرة السلطة المركزية في بغداد، نجد أن هذه الدعوة جاءت في ظروف استثنائية تشتدّ فيها قدرة المقاومة الوطنية الباسلة في العراق، وترتفع وتيرة الضربات العراقية الموجعة للاحتلال، كما أنّها تتزامن مع اقتراب لحظة السيطرة للقوى العراقية على بغداد، وتأتي في وقت تتواتر فيه الدعوات البريطانية والأمريكية والإيطالية للانسحاب من العراق، والبدء في تقليص عدد قواتهم من المدن الرئيسة بسبب ما تتعرض له من ضربات موجعة واستنزاف متواصل، وبسبب زيادة أزمة حكومات تلك الدول المحتلّة للعراق بعد انتفاء مصداقيتها أمام شعوبها.
تأتي دعوة الحكيم انطلاقًا من توجهات الإدارة الأمريكية ذات الرؤى الصهيونية، التي تسعى لتقسيم العراق وتقطيعه، وتدعو لوضع الفواصل بين طوائفه ومذاهبه وشيعه!
وكان أحمد الجلبي 'المحسوب على المخابرات الأمريكية' هو أول مَن دعا إلى فصل جنوب العراق عن جسم الدولة المركزية؛ لأن الجنوب يمتلك - حسب رأيه - معظم الثروة النفطية في العراق، وهي من حقّ أهل الجنوب، حسب قوله.
بلا شكّ إن دعوة الحكيم تلقى الدعم والرعاية من المحتل الأمريكي، وتجد لها طريقًا سالكًا إلى مشروع الدستور العراقي الجديد؛ ذلك لأن الحكيم يعبّر بالضرورة عن قوى دولية وإقليمية ومحلية تتضافر جهودها من أجل إضعاف العراق وتقسيمه بل وتمزيقه، وباتت العملية السياسية تبادلية بين الأطراف، فكلما أسرعت خطوات التقسيم كلما أسرعت قوات الاحتلال بالانسحاب من العراق، وهذا الدور ليس غريبًا على عبد العزيز الحكيم, فهو أحد أبرز العملاء الذين دخلوا العراق مكللاً بأطواق النصر الأمريكية، ومحاطًا بحماية الدبابات والقاذفات، التي قتلت آلاف الأطفال والأبرياء العراقيين!
تطلّ الدعوة إلى الطائفية سافرةً، وتنطلق العبارات من قيودها، دونما ورع أو خجلٍ، تطالب بإنشاء الوطن العراقي إنشاءً جديدًا، وتدعو أن تكون صياغته الجديدة على أساس من الجهوية والعرقية والطائفية والإثنية، والقومية... إلخ!
عبد العزيز الحكيم يريد أن يعيد العراق إلى عهد العصبيات العشائرية والقبلية والطائفية التي عفا عليها الزمن وتجاوزتها السنون.
قبل أن ينتشر الإسلام في المنطقة العربية - منطلقًا من مكة المكرمّة - كانت العصبية القبلية هي السائدة في أرض الرافدين، ووصل التفكك السياسي في العراق إلى أقصى درجاته بفعل التناحر بين القبائل، وسيادة منطق العصبيات. وعندما حضر الفتح الإسلامي للعراق في القرن الأول الهجري، وانتشر الفكر الإسلامي وعمّت العقيدة الإيمانية، سادت القيم والمثل العليا، التي حققت في جانبها السياسي استقرارًا وهدوءًا، وسيادة التعايش الأخوي بين الناس، وتحقق الانتماء إلى الفكرة 'الإسلام' والارتباط بالوطن والأمة بدلاً من الانتماء إلى القبيلة والعشيرة والطائفة.
سادت العراق الأنظمة الإدارية المتبعة في النظام الإسلامي، حيثُ جاء الإسلام بنظم إدارية جديدة تجاوزت التقسيمات السابقة.
مع مرور الزمن، وتطور مفهوم الدولة، ترسخ انتماء الإنسان العربي بالعراق في أمته العربية، وقوي التزامه في دولته الوطنية. فالإسلام منذُ أكثر من ألف وأربعمائة سنة أنهى الانتماء الطائفي وقضى على التعصب القبلي والعشائري. والحقبة التاريخية المعاصرة تشهد تطورًا في بنية الكيانات القطرية وتبدلها، وتشهد هذه الحقبة أيضًا تغييرًا في التكتلات الإقليمية والدولية 'الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي... إلخ'.
إلاّ أن عبد العزيز الحكيم ومَن لفّ لفّه - ومن خلفهم الإدارة الأمريكية - يريدون إعادة الإنسان العربي في العراق إلى حقبة ما قبل الدولة! إلى حقبة الدويلات الطائفية الصغيرة، ومن ثمّ إلى دويلات القبائل المتناحرة! وبمعنى آخر، يريدون أن تكون 'إسرائيل' هي الدولة اليهودية الأكبر والأقدر والأقوى في المنطقة، بين مجموعة الدويلات المتناثرة والمتصارعة على مناطق النفط، ومنابع الماء، ومنابت الكلأ.
عبد العزيز الحكيم يريد أن يحقق المشروع الأمريكي الذي حمله جورج بوش ورامسفيلد إلى المنطقة، وهو المشروع الذي لاقى الفشل الذريع، وأصابه الموت في مهده؛ ذلك لأنّ التقسيمات التي جاءت فيها الإدارة الأمريكية لم تعد تلقي بالاً لأحد من أهل العراق، وبات الهمّ الأكبر للشعب العراقي مواصلة ضخّ شريان المقاومة بدم الشهداء المتجدد، ومحاصرة القوى الاحتلالية، وتطهير أرض الرافدين من العملاء، الذين جلبهم المحتل الأمريكي بطائراته ودباباته.
وبات الخوف يقضّ مضاجع الأمريكيين في مناطق نهبهم الدائمة، ومرابع استثماراتهم الرخيصة! فالمصالح والثروات الأمريكية باتت مكدسة في الخليج العربي، والشرارة قد تشعل الحقلَ كلهُ!
صبري حجير كاتب
فلسطيني مقيم في السويد
sabri_hajir@hotmail.com