المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نزع السلاح + إبعاد المجاهدين عن الساح = هزائم وجراح



lkhtabi
20-09-2005, 02:48 PM
مفكرة الإسلام: إنها المعادلة التي يتوصل إليها من يتأمل في تاريخ أمتنا المعاصر، فلقد حرص أعداؤنا في كل حروبهم معنا أن لا يخوضوا ضدنا قتالاً إلا بعد أن يجردونا من أسلحتنا، ويبعدوا المجاهدين أصحاب الإرادة الحقيقية في القتال عن ساحة المعركة، ويلاحظ أنه كلما نجح الأعداء في ذلك هزمونا بيسر وسهولة.

ويعتمد أعداؤنا في تحقيق هذا الهدف على السلطات الحاكمة في بلادنا، وعلى عملائهم الذين يمكِّنون لهم، وعلى مؤسسات المجتمع الدولي التي يديرونها ويتحكمون في قراراتها.

لقد هيأ البريطانيون لهزيمتنا على أيدي اليهود أثناء احتلالهم فلسطين، من خلال أوامر صارمة تقضي بتجريد الفلسطينيين من السلاح؛ إذ كان الإعدام هو عقاب الفلسطيني الذي تُضبط في حوزته قطعة سلاح أو طلقة رصاص، بينما تركت بريطانيا اليهود يتسلحون بالطائرات والدبابات، بل أسهمت هي في تدريبهم وتسليحهم، ولذلك لم يصمد الفلسطينيون طويلاً أمام اجتياح العصابات الصهيونية لمدنهم وقراهم، فسقطت بسهولة في أيديهم، وكانت بريطانيا تنفذ أوامر تجريد السلاح بمساعدة الشرطة الفلسطينية المعينة من قبلها، كما شاركت هذه الشرطة الجاهلة مع الإنجليز في قتال المجاهدين الفلسطينيين، فلقد كانت في مقدمة القوات الإنجليزية التي حاصرت الشيخ عز الدين القسام وقتلته مع بعض إخوانه في أحراش يعبد في 20 – نوفمبر - 1935م.

وعندما جاءت الجيوش العربية لتحرير فلسطين زودها الحكام العملاء بأسلحة فاسدة، وأمروها أن تنزع سلاح الفلسطينيين، وتبعدهم عن ميدان المعركة، فنفذت الأوامر، ونُزع السلاح الفلسطيني، وأُبعد أصحاب الأرض الذين يمكن أن يخلصوا في القتال، فكانت النتيجة مزيدًا من الهزائم والجراح، ومزيدًا من الأرض الفلسطينية المحتلة، ولو أخلص الحكام وصدقت نياتهم في تحرير فلسطين لانتقوا من كل قرية خمسين فلسطينيًا فقط ودربوهم وسلحوهم وحققوا بهم وحدهم تحرير كل فلسطين.
وفي 3 – أكتوبر - 1947م بعث الإمام حسن البنا رسالة إلى جامعة الدول العربية يطلب منهم السماح لعشرة آلاف من الإخوان المسلمين المصريين بالدخول إلى فلسطين بأسلحتهم كدفعة أولى للإسهام في تحرير فلسطين، لكن الرؤساء والملوك العرب رفضوا طلبه، كما رفض ذلك الملك فاروق بالرغم من كثرة إلحاح البنا عليه، فقام الإخوان بتنظيم رحلات سياحية إلى سيناء، ومن هناك أخذوا يتسربون إلى فلسطين، وعندئذ وافقت الحكومة المصرية على دخول بضع مئات منهم واشترطوا عليهم أن يكونوا تحت إمرة الجيش المصري، كما سمحت سوريا والأردن لأعداد محدودة من الإخوان السوريين والأردنيين بالدخول على الشرط نفسه، وقد لاحظ اليهود حسن بلاء الإخوان في المعارك، وصعوبة الصمود أمامهم بالرغم من قلة أعدادهم، حيث يقول موسى ديان:

'كنا إذا علمنا أن فرقة من الجيش بينها خمسة من الإخوان المسلمين نتجنب قتالهم'، وعندما سئل عن السبب الذي جعل الجيش الصهيوني يتجنب مواجهة المتطوعين في بيت لحم والقدس قال: 'إن الفدائيين يحاربون بعقيدة أقوى من عقيدتنا، إنهم يريدون أن يستشهدوا ونحن نريد أن نبني أمة، وقد جربنا قتالهم فكبدونا خسائر فادحة، ولذا فنحن نحاول قدر الإمكان أن نتجنب الاشتباك معهم'، من أجل ذلك طلب اليهود من أصدقائهم الإنجليز أن يضغطوا على الحكومات العربية لإبعاد هؤلاء المجاهدين عن ساحات القتال، فصدرت الأوامر لقائد الجيش المصري في جنوب فلسطين بنزع سلاح الإخوان المسلمين وحبسهم، فنفذ الأمر، ونزع سلاحهم، ووضعهم جميعًا في معسكر تحيط به الأسلاك الشائكة، ومنعهم من القتال، وعندما سقط الموقع العسكري المهم المعروف بالتبة 86 في أيدي اليهود، وعجز الجيش المصري عن استعادته بعد العديد من الهجمات الفاشلة، توجه قائد الجيش إلى قائد الإخوان في معتقله وشكا إليه فشله في استعادة الموقع، وخطورة بقائه في أيدي اليهود، فعرض قائد الإخوان عليه أن يسمح له وللإخوان المسلمين باستعادته، واشترط أن يقاتل الإخوان في المعركة وحدهم وبسلاحهم المصادر، فوافق لكنه اشترط أن يسلم الإخوان أسلحتهم ويعودوا إلى المعتقل بعد التحرير، وتم الاتفاق على ذلك، واستطاع الإخوان المسلمون بعد هجمة واحدة أن يحرروا التبة 86 ويقضوا على كل القوة الصهيونية المتمركزة عليها وبينهم عدد من كبار الضباط، ويقول الخبراء العسكريون أن تحرير هذه التبة هو الذي حفظ قطاع غزة بأيدي العرب، وقد نُزع سلاح الإخوان بعد تحقيق الانتصار وأُعيدوا إلى المعتقل، ثم سيقوا إلى السجون في مصر، وتعرضوا للإهانة والتعذيب والمحاكمة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل طلب الإنجليز من الملك أن يكافئ الإخوان على حسن بلائهم بقتل إمامهم البنا، فأُطلق عليه الرصاص في القاهرة في 12–فبراير-1949م، وعندما وصل بنفسه جريحًا إلى المستشفى، أُمر الأطباء بعدم تقديم الإسعاف له إلى أن لقي ربه شهيدًا.

لك الله يا أقصى تقنعت باكيًا وكل صناديد الرجال أسيرُ

بكيت وأيدي الجاهليات تلتقي عليك وعجل السامري يخورُ

يدير رحاها ألف كسرى وقيصر وألف حُيَيٍّ للمدير مديرُ


وبالرغم من هذه النكبات الكبيرة والتجارب المريرة التي مرت بها أمتنا بسبب الاستجابة لطلبات الأعداء بنزع سلاح المجاهدين وإبعادهم عن ميدان المعركة، فإن هناك من لم يستوعب الدرس؛ إذ لا نزال نسمع قادة وزعماء ومثقفين يطالبون بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية الشريف استجابة لمطلب شارون وبوش!!

د. خالد الخالدي

أستاذ مشارك في التاريخ - الجامعة الإسلامية

فلسطين - غزة