المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معركة تلعفر في الميزان الاستراتيجي



هند
17-09-2005, 01:50 PM
معركة تلعفر في الميزان الاستراتيجي



تقارير رئيسية :عام :السبت 13 شعبان 1426هـ – 17 سبتمبر 2005م



مفكرة الإسلام: يبدو العدوان الذي قامت به قوات الاحتلال الأمريكي على تلعفر مسألة نمطية في ضوء ما هو حادث ومتكرر من اعتداءات لقوات الاحتلال على المدن والمناطق العراقية في وسط العراق خاصة؛ إذ لا يمر يوم أو أسبوع منذ اشتعال المقاومة بعد الاحتلال وحتى الآن، إلا وقوات الاحتلال تعتدي على مدينة أو منطقة أو حي أو شارع، كما أن قوات الاحتلال تقوم بين مرحلة وأخرى 'بتجريدات' تحمل أسماء تستمد من أسماء الأفاعي والأسلحة وكبار المجرمين والعواصف والأعاصير، فشهدنا الاعتداءات ضد الفلوجة وحديثة والموصل وتلعفر والقائم وبلد... وغيرها وغيرها، أو على كل منها عدة مرات من قبل.

كما يبدو العدوان على تلعفر من زاوية الرؤية المباشرة مرتبطًا بتطور الأحداث الراهنة على أرض العراق وجزءًا منها، سواء في جانبها المرتبط بمعركة فرض دستور الاحتلال بالقوة العسكرية والإجرام الدموي على الشعب العراقي، أو بخطة لدى الاحتلال والحكم العميل الدائر تحت إمرته تستهدف إشعال فتنة تعم العراق، وتجري خلالها معارك عراقية أهلية داخلية بين مختلف أطياف العراق، يشارك فيها المواطنون العراقيون، وتنجر إليها المقاومة العراقية، بما يخفف وتيرة نشاط المقاومة الموجه ضد قوات الاحتلال وقوات الحكم العميل... إلخ.

وكذلك بدا من خلال متابعة الأحداث في هذه المعركة الضارية في تلعفر، أن المقاومة العراقية كعهد الأمة بها، قدمت أنموذجًا جهاديًا متكاملاً ناصعًا في الفداء والجهاد وفي حماية العقيدة والهوية والأهل والولد، يضاف إلى سجلها الجهادي الكبير في مواجهة الأعداء على أرض العراق وفي أفغانستان ضمن الحرب الشاملة الدائرة في كافة المناطق العربية والإسلامية والتي ستحدد مصير الأمة.

لقد حققت المقاومة في تلعفر انتصارات مهمة، وأوقعت بقوات الاحتلال خسائر رئيسة، ما دعا قوات الاحتلال إلى استخدام الطائرات ثابتة الجناح في قصف الجسور والمنازل والمستشفيات... إلخ، وإلى التراجع عدة مرات عند الاقتحام، كما كانت قدرات المقاومة وتكتيكاتها هي ما جعل قوات الاحتلال والقوات العميلة تبدأ المعركة بتهجير المواطنين في تلعفر إلى خارج مساكنهم لاستخدامهم كوسيلة للضغط على المجاهدين، وبنفس الأسلوب الذي جرى على يد قوات الاحتلال خلال العدوان على الفلوجة؛ حين جرى تهجير أهلها إلى قرية الصقلاوية، وتركهم في العراء لتحقيق أكبر قدر من الإهانة والإذلال، لتسجيل كل المواطنين بعد ذلك عند بدء العودة.

وهكذا يمكن القول ببساطة: إن هذه المعركة تأتي في ضوء ما بات مشاهدًا من أن قوات الاحتلال باتت تخوض معارك يومية في كل المدن العراقية، كما تأتي في ضوء ما يجري من أعمال يومية بالعشرات من العمليات في كل مكان، حتى أصبحت نشرات الأخبار ونشاط وكالات الأنباء لا تخلو يوميًا من عشرات الأخبار المتدفقة والمذاعة والمتلفزة عن عمليات المقاومة في العراق والخسائر التي تعانيها قواتها الاحتلال في كل يوم، أو حتى في كل ساعة.

غير أن المتأمل جيدًا فيما يجري هناك في تلعفر يجد أن أمامه جوانب وأبعادًا استراتيجية مهمة في إطار الحرب الدائرة في العراق وحولها، وأن هذه الجوانب الاستراتيجية تتخطى حدود الحدث السياسي المتعلق بالدستور، والمرتبط بخطة إشعال فتنة في العراق، وأنها أكبر من فكرة العمليات اليومية بالعشرات للمقاومة، وأعمق مما تقوم به قوات الاحتلال بين الحين والآخر 'بتجريدة' ضد مدينة هنا أو هناك، وأن هذه المعركة هي مكون مهم من مكونات الخطة الاستراتيجية للمقاومة والجهاد في العراق في مواجهة الخطة الاستراتيجية لقوات الاحتلال؛ إذ المعركة الدائرة هناك هي معركة ذات طابع استراتيجي، لا نبالغ إذا قلنا: إنها المعركة الأهم منذ معركتيْ الفلوجة الأولى والثانية.

ففي متابعة وتحليل معركة القائم نجد أننا لسنا فقط أمام عمل هجومي لقوات الاحتلال تجاه منطقة وسط العراق، لإكراه تلك المنطقة على الانصياع للعبة الاحتلال السياسية من أحزاب وانتخابات ودستور مزيفة جميعها، وأننا لسنا فقط أمام معركة من معارك المقاومة العراقية، بل نحن أمام تحول استراتيجي جديد في معركة تحرير العراق.

والملامح الاستراتيجية لمعركة تلعفر كثيرة متعددة، وذات تأثير كبير على المعركة الدائرة منذ بدء خطة احتلال العراق وحتى الآن:

· والزاوية الاستراتيجية الأولى في معركة تلعفر هي أنها تمثل تطويرًا لتأسيس قاعدة للانطلاق والتحرير ولبناء أول منطقة محررة كاملة التحرير تتحقق لها عوامل متنوعة للنجاح، في أمد ليس بعيدًا، يمكن للمقاومة أن تحافظ على سيطرتها عليها بشكل متصاعد لتكون أنموذجًا متكررًا أو متوسعًا فيما بعد، حيث المعركة الدائرة الآن في تلعفر هي التطوير الاستراتيجي الأكمل لمعركة الفلوجة الأولى والثانية. فإذا كانت معركة الفلوجة الأولى هي معركة لكسر إرادة الاحتلال وتحقيق الانتصار المعنوي ضد أفراد قوات الاحتلال من خلال انتصار مرحلي جرى خلاله الاحتفاظ بأرض والدفاع عنها لمرحلة من الوقت. وكذا إذا كانت معركة الفلوجة الثانية هي معركة تحقيق خطة على انتشار المقاومة وتأسيس قواعد متعددة في كل أنحاء وسط العراق انطلاقًا من الفلوجة خلال إشغال العدو بمعركة يلقي فيها كل ثقله وتركيزه العسكري - بما يتيح للمقاومة نشر قوتها ونشاطها - فإن معركة تلعفر هي معركة تأسيس قاعدة للانطلاق يمكن الحفاظ عليها وجعلها نقطة دائمة للانطلاق عبر مراحل متنوعة في العمل الخططي، سواء من خلال خوض معارك متلاحقة فيها وحولها، أو من خلال إكراه قوات الاحتلال على دفع ثمن دائم للتواجد في تلك المنطقة، أو من خلال الإغارات الدائمة على نقاط ثابتة لقوات الاحتلال حول المدينة أو في أطرافها، يضطر العدو بين الحين والآخر إلى دخول المدينة ومواجهته ورده أو تركه يدخل المدينة والإغارة عليه حتى يضطر للخروج لإنهاكه… إلخ.

· والزاوية الاستراتيجية الثانية في معركة تلعفر هي أنها محاولة لجذب قطاع كامل مستمر من قوات الاحتلال على التواجد في منطقة ومعركة طرفية، أو لإجبار قوات الاحتلال على التوسع والانتشار الدائم لإنهاكها وإفشال قدرتها على التركيز على منطقة بعينها في العراق ووضعها أمام خيارات خطرة للغاية في ظل ظروف تقل فيها بشكل واسع ومتصاعد قدرة قوات الاحتلال على جلب قوات أخرى إلى العراق.

لقد حاولت قوات الاحتلال طوال المرحلة الأخيرة العمل وفق قاعدة تركيز القوة في كل معركة لتحقيق انتصارات مرحلية، وكان الأنموذج الأبرز والأوضح لذلك مؤخرًا هو معركة بغداد الكبرى التي جاءت في مواجهة بدء المقاومة خطة الانتشار في أطراف بغداد والضغط المتصاعد تجاه قلب بغداد، كما جاء كنمط من أنماط تركيز القوة لإنهاء قدرة المقاومة على تجميع قدراتها. وهنا تأتي معركة تلعفر كأساس جديد لإجبار قوات الاحتلال على وقف خطتها في التركيز بصفة عامة ولإجبارها على الانتشار في كل أنحاء العراق، ما يمكن المقاومة من تعميق تحريرها للمناطق التي تسيطر عليها.

وواقع الحال أن قوات الاحتلال تدرك المغزى الاستراتيجي لخطة المقاومة هذه، وهو ما ظهر من خلال صدور تصريحات تتوعد المدن الأخرى في وسط العراق خلال أو في أثناء معركة تلعفر. لقد أظهرت تلك التصريحات أن قوات الاحتلال باتت تفهم استراتيجية المقاومة، والأهم أنها باتت تدرك بشكل متصاعد شدة المأزق الذي أصبحت عليه؛ إذ جاءت معركة تلعفر في توقيت قاتل لقوات الاحتلال، ليس فقط بحكم عدم قدرة قوات الاحتلال على جلب قوات أمريكية أخرى من الولايات المتحدة بسبب انشغال ما تبقى من قواتها على الأرض الأمريكية في مواجهة نتائج إعصار كاترينا، ولكن أيضًا بحكم عودة بعض القوات الأمريكية بعد تذمرها من موقف الإدارة الأمريكية من ذويهم خلال إعصار كاترينا، وأيضًا بحكم أن دولاً كثيرة باتت قاب قوسين أو أدنى من سحب قواتها من العراق – لتنفتح جبهة من الفراغ أوسع من التي تحتاج قوات الاحتلال إلى قوة لتغطيتها – حيث كل من النرويج وأوكرانيا بل وإيطاليا تستعد خلال شهر أو شهرين لسحب قواتها، وهو ما يجعل من فكرة سحب القوات الأمريكية في معركة تلعفر إلى الأطراف أمرًا ذا تأثير استراتيجي خطير ومؤثر للغاية على قوات الاحتلال وعلى قدراتها على مواصلة المعركة في تلك المرحلة الحاسمة.

· والزاوية الاستراتيجية الثالثة في معركة تلعفر، أن المقاومة نجحت في فرض استراتيجيها على الاستراتيجية التي رتبتها قوات الاحتلال، وباتت المقاومة - بشكل متصاعد - تفرض أجندتها على خطة قوات الاحتلال؛ فمعركة تلعفر تعني أن قوات الاحتلال التي كانت تقضي استراتيجيتها في هذه المرحلة التركيز على المدن الكبرى في العراق، سواء بغداد أو مختلف مدن الوسط، لكي تنجز هدف إقرار دستور الاحتلال وتثبيت السلطة العميلة، باتت تخشى في ظل هذه الأوضاع المرتبكة تحول معركة فرض الدستور إلى معركة معاكسة، تتدفق فيها القوى الرافضة لدستور الاحتلال إلى صفوف المقاومة، حيث قضية إقرار الدستور قد شهدت توسعًا في المعارضة ومن أطراف كانت أقرب إلى مشروع الاحتلال.

المغزى الاستراتيجي في معركة تلعفر هنا هو أن المقاومة فرضت أجندتها على أجندة الاحتلال، ما يعني في حد ذاته أمرًا استراتيجيًا بالغ الأهمية؛ إذ عندما يدير خصم خصمه الآخر في الصراع وفق استراتيجيته هو – حسب التعبير المتداول امتلاك زمام المبادأة – فإن المعنى هو أن الخصم الآخر لم يعد يعمل وفق استراتيجيته لتحقيق أهدافه، سواء كاستراتيجية دفاعية أو هجومية، وإنما وصل إلى حالة اضطراب استراتيجي، وهو أهم ما يسعى خصم في الصراع لجعل خصمه يصل إليه.

· والزاوية الاستراتيجية الرابعة في معركة تلعفر هي أن المقاومة لم تكتفِ بالإثبات النظري لقدرتها على جر القوات الأمريكية إلى الأطراف، بل أثبتت قدرتها على خوض معارك متعددة في وقت واحد؛ إذ هي سحبت قدرًا من القوات الأمريكية إلى تلعفر، وفي نفس التوقيت وجهت ضربات في بغداد وبعقوبة وغيرها. حيث من يتابع ما جرى في المدن الأخرى خلال معركة تلعفر يكتشف أن ضربات قوية وجهت بالتزامن مع معركة تلعفر إلى قوات الاحتلال والقوات العميلة، وهو ما يكشف نجاح خطة المقاومة ما بعد معركة الفلوجة، وأن معركة تلعفر تمثل وثبة كبرى في التحول الاستراتيجي لصالح المقاومة.

· والزاوية الاستراتيجية الخامسة في معركة تلعفر هي زاوية قد يتصور البعض أنها زاوية هامشية، غير أنها زاوية رئيسة في أي تفكير استراتيجي. هذه الزاوية هي زاوية الإضاءة المعنوية والرمزية لدى الشعب العراقي. لقد كانت تلعفر هي نقطة اشتعال ثورة العشرين 'ثورة عام 1920' التي سجلت في التاريخ العراقي أول أهم ثورة في مواجهة الاستعمار البريطاني. وهاهي تلعفر تعود مجددًا لتصبح نقطة تغيير استراتيجي في معركة تحرير العراقي الدائرة منذ احتلال بغداد.

بقلم: طلعت رميح

المهند
18-09-2005, 03:36 PM
يامحله النصر بعون الله

http://www.baghdadalrashid.com/vb3/images/imgcache/2005/10/1.bmp




http://www.baghdadalrashid.com/vb3/images/imgcache/2005/10/1.gif




.