المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رصاص (مصري) في رأس وقدم الفلسطيني



المهند
16-09-2005, 03:49 PM
سارع حرّاس الحدود المصريون ، الذين منحهم شارون الإذن بعبور سيناء والوقوف في مواجهة الفلسطينيين إلى إطلاق رصاصهم على الفلسطينيين الفرحين برحيل قوّات الاحتلال من داخل قطاع غزّة ...

بهذا الرصاص الذي أصاب رأس فلسطيني وساق فلسطيني آخر تتجلّى المهمّة الدموية لهكذا حرّاس حدود : تدمير رأس الفلسطيني الذي يفكّر ، وتعطيل ساقه التي يمشي بها ! .

قتل الفلسطيني الذي يتوّهم أن له الحق أن يمّد راحته للسلام على أخيه في رفح المصريّة ، أو إسناد رأسه ليرتاح قليلاً على كتف عمّته في رفح المصريّة ، أو العناق لتوصيل الشرايين ببعضها ليستأنف الدّم دورته في الجسد الرفحي ، الفلسطيني المصري الواحد ، بعد سنوات حبس وحصار وتجويع وقتل ...

مع رحيل آخر جنود الاحتلال ، وبدء احتفال الفلسطينيين بشّم الهواء النظيف الخالي من غبار جنازير الدبّابات ، ودخان قنابل الغاز ، ورائحة حرائق الصواريخ الموجهة ، اندفع الفلسطينيّون إلى نصفهم الآخر : رفح المصريّة ممثّلة لمصر كلّها ، مصر التي طالما خاضت الحروب ضد الغزاة المقتحمين لفلسطين في أزمنة الفراعنة ، شّن الحروب الاستباقيّة الوقائيّة حفاظاً على أمن مصرهم ..فصدّ فرحتهم الرصاص ...

فوجئ الفلسطينيون بالرصاص ، الرصاص الذي يذكّرهم بأن هؤلاء المسلحين المجلوبين لحرمانهم وأهلهم في رفح المصرية ، في مصر كلّها ، من التواصل ، ففّك الارتباط الشاروني يراد له أن يكون أنشوطة تلتّف حول عنق الغزازوة لتميتهم خنقاً ، أن يكون فكّاً لارتباط الفلسطينيين بأمتهم ، وفي مقدمتها مصر المحروسة ...

الأطفال الذين طالما استيقظوا على بساطير جنود الاحتلال الذين انتزعوا آباءهم وإخوانهم من بينهم ومضوا بهم إلى غياهب السجون ، اندفعوا إلى حاجز رفح ، ظنّوا أنهم أحرار حقّاً وأن الاحتلال رحل فعلاً ، أرادوا أن يمرّنوا أعضاء أجسادهم على الركض والنّط واللعب بمرح ، ولكنهم فوجئوا بالرصاص ، ذلك الرصاص الذي لم يصوب إلى رؤوسهم وأرجلهم هذه المرّة من جيش ( الدفاع) بأوامر مباشرة من شارون وموفاز ! ...

جاء الرصاص من جنود حقنوا بتفاصيل مهمّتم : الفلسطينيون خطرون ، راقبوهم جيداً ، لا تدعوهم يغيبون عن نظركم ، أنصتوا جيداً لكّل صوت أو نأمة تنبعث من عمق الأرض ، فالفلسطيني كائن تحت أرضي ، فوق أرضي ، عابر للفضاء ، اصطادوه ولا تدعوا له منفذاً ينفذ منه .

هؤلاء الجنود ليسوا هم جنود العبور في الجيش الذي أعاد بناءه القائد العربي جمال عبد الناصر ، ولا هم من قاتل حرب الاستنزاف البطوليّة ، ولا هم ينتمون إلى من تطوّعوا مع البطل الشهيد أحمد عبد العزيز لنجدة فلسطين وشعبها عام 48 ...

هؤلاء الجنود لا يقودهم الفريق عبد المنعم رياض ، وليس قائدهم الفريق أول محمد فوزي ، ولا وضع خطّة العبور لهم الفريق الشاذلي ، هؤلاء ورثاء الحقبة الساداتيّة المشوّهة الفاسدة الممتدّة المتناسخة...

هؤلاء الجنود الذين أطلقوا الرصاص على الفلسطينيين الفرحين بتشابك أصابعهم ، ونظرات عيونهم ، وتمازج أنفاسهم بأنفاس أهلهم في رفح المصريّة ، لقّنوا أنّ الفلسطيني هو الخطر ، كونهم يقفون على الحدود مع (غزّة) وليس مع العدو الصهيوني المحتّل الذي يحرمهم من دخول مصر ، والأمريكي الرابض على رمال سيناء بمحطات مراقبته .. .

أهؤلاء الجنود هم الذين غنّى لهم نجم والشيخ إمام :

آه يا عبد الودود
يا راقد عالحدود
ومحافظ عالنظام

هل الجندي الذي ضغط على الزناد هو عبد الودود الذي تريد أمّه أن تباهي به بعد أن يحرّر سيناء ؟

أهو الذي ناداه إمام ونجم وشعب مصر العظيم :

خليك ددع لبوك
ليقولوا منين جابوك
ويمسّخوا الكلام

أهو الجندي الصعيدي الذي رآه العالم يوم العبور العظيم يركع على رمال سيناء وهو يشرب رمل سيناء كأن يتجرّع العسل وأحلى ؟!

أهو الذي رفع العلم وطار معه في السماء ، بينما حصون ( بارليف) تتهاوى وجيش الانتصارات السهلة يفّر مذعوراً أمام إعجاز جيش مصر العظيم ؟ !

كان ذلك جيش الزمن الناصري العربي، زمن مصر القائدة ...

يوم الإثنين الذي لا ينسى بعد اليوم في الذاكرة الفلسطينيّة ، 12 أيلول ، هو يوم استكمال انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني من ( داخل) قطاع غزّة الفلسطيني ، يوم إنزال علم الاحتلال والعدوان ، يوم رفع علم فلسطين الخفّاق ..هو يوم العار لمن أوعزوا للجنود المصريبن بإطلاق الرصاص على أخوتهم الفلسطينيين الفرحين ببداية رحلة حريّتهم ...

لا ، لم تكن الجريمة مجرّد خطأ من ( حارس) حدود متوتّر جاهل ، إنها الدور فضيحة للدور الخطأ ارتضاه لنفسه نظام الحكم في مصر تنازلاً ورضوخاً للتوجيهات الأمريكيّة وشروط قادة الكيان الصهيوني و..القيادة المصرية المزمنّة منذ كامب ديفد ستبقى أسيرة ضعفها وعزلتها عن شعب مصر ...

من يترك الاحتلال في سيناء خلفه ظهره ويقف في مواجهة الفلسطينيين ،لا غرابة أن يوجّه رصاصه إلى راس الفلسطيني وساقه ليحوّله إلى معوّق التفكير والفعل ، ليحرمه من تذوّق طعم الحريّة المغموسة بدم شهدائه وتضحياته ...

من يعبر سيناء بإذن ورضى وموافقة وترحيب شارون وبوش ، سيسدد بندقيته باتجاه قطاع غزّة ، وستكون مبارك ..ته ..لغزّة دمويّة ..لتثبيت فوزه بدوره المتجدّد المميت للفلسطينيين قضيّةً وشعباً !



رشاد أبو شاور

كاتب وناقد فلسطيني - رئيس اللجنة التحضيرية لتجمع الكتّاب والأدباء الفلسطينيين






http://www.alhaqaeq.net/defaultch.a...articleid=34092
__________________