المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقرير عن العراق الجديد وجامعاته - إقرأ وتحسر



enad
04-06-2004, 11:12 PM
العراق الجديد: جامعات تحكمها ميليشيات ومافيا حزبية

لم يكن ذلك ببعيد عن ذاكرتي. ففي التسعينيات من القرن المنصرم، عندما كنا نعيش المرحلة الجامعية، كنا ننظر إلى الأستاذ نظرة فيها الكثير من الإجلال والاحترام، وكنا نتوارث في ذلك العديد من العادات والتقاليد من الآباء والأجداد، ترى في رجال العلم والتعليم أناسا يستحقون كل تقدير واحترام.

لكن الكثير من تلك القيم والتقاليد تغيرت بسرعة هائلة مع عام واحد من الاحتلال وانتشار الفوضى الأمنية، وحشر المجتمع العراقي في مرحلة من الاضطراب وفقدان التوازن.

وهنا تغيرت الكثير من الأشياء، وتبدلت العديد من القيم والمفاهيم، ولم يعد مستغربا أن يسمع المرء من الطلبة أوصافا لأستاذتهم لا تنم عن الحد الأدنى من الاحترام. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، إذ صار بعض الطلبة يتهجمون على أساتذتهم وسط الحرم الجامعي، الذي كان إلى ما قبل الاحتلال، مكانا مقدسا ومحترما إلى أبعد الحدود.

الاحتلال ونشر الفوضى في الجامعة

بعد سقوط النظام العراقي السابق واحتلال القوات الأمريكية والبريطانية العراق تغيرت الحال في الجامعات العراقية رأسا على عقب، واختلت الموازين، وزادت حالة الفلتان الأمني الأمر سوءاً على سوء. ولعبت بعض الأحزاب والجهات الدينية المتطرفة، التي حاولت، منذ ساعات السقوط الأولى، دخول الحرم الجامعي والسيطرة عليه، ووضع موطئ قدم لها فيه، دورا في تدهور أوضاع التعليم، فصارت تلك القوى تحاسب هذا الأستاذ أو ذاك بدعوى أنه كان من أعضاء حزب البعث السابق، متناسية عن قصد أن أغلب العراقيين كانوا من البعثيين في المرحلة السابقة، طوعا أو كرها.

وقامت تلك الجهات بضرب الأساتذة أمام أنظار طلبتهم، وتمت إهانة الكثيرين منهم على مرأى ومسمع من طلابهم. وقد حفز تكرار تلك المشاهد المهينة للعلم وحملته، عددا من الطلبة على الاحتماء بخيمة تلك التنظيمات، والقيام بعمليات تستهدف الأساتذة، وصلت إلى حد القتل.

ويقول بعض الجامعيين إن الكثير من عمليات القتل التي حصلت للأساتذة العراقيين في بداية الاحتلال الأمريكي للعراق كانت على أيدي طلبة، مدفوعين من بعض الجهات، التي تقدم لهم الإسناد، بحجة أن أولئك الضحايا كانوا بعثيين، وعملوا ضد مصلحة الطلبة، وأنهم لم يعطوهم درجات عالية في موادهم الدراسية.

تلك كانت البداية، واليوم بعد أن جرى "اجتثاث البعث"، وتم تسريح أكثر من 1600 أستاذ جامعي في شتى الاختصاصات العلمية والإنسانية، وتهجير عدد مماثل منهم إلى خارج العراق، عن طرق التهديد بالقتل أو الاختطاف، فإن طلبة العراق الجديد استهوتهم اللعبة كما يبدو، فالسلاح متوفر إلى حد الابتذال، والجريمة على الأغلب تسجل ضد مجهول، والانفلات الأمني لا يحتاج إلى كثير شرح وتفصيل، ولذلك صار العراقيون يسمعون كل يوم عن تهديدات جديدة توجه إلى هذا الأستاذ أو ذاك، بغية الضغط عليه للحصول على درجات عالية لا يستحقها الطالب.

شهادات عن ظواهر مفجعة

ويقول عبد الغني أحمد الأستاذ في كلية الرافدين في بغداد، عن هذا الأمر، "لقد تغيير الوضع كثيرا عما كان عليه في السابق، فطلبة اليوم أصبحوا متسيبين إلى حد كبير، بل إنهم صاروا لا يعترفون بالأستاذ، أو يقيمون له وزنا، وليت الأمر وقف عند هذا الحد على مراراته، إلا أن الأمور تطورت كثيرا، وأصبح الطالب قنبلة موقوتة لا تعرف متى يتفجر في وجه أستاذه، وصار الطلبة يتفننون في عمليات ترويع الأساتذة وتخويفهم، من أجل الحصول على درجات لا يستحقونها".

ويضيف بحسرة وشعور بالمرارة "قام عدد من الطلبة في كليتنا، مع اقتراب موعد الامتحانات النهائية بإرسال رسائل تهديد للأساتذة، تحذرهم من مغبة الرسوب في موادهم الدراسية، حيث أرسلت رسالة إلى أحد الأساتذة تحتوي على قنبلة صغيرة لا تضم مواد متفجرة، ومعها ورقة تقول إنها في المرة القادمة ستكون رسالة انفجارية إذا لم تعدل درجاتنا وننجح من الدور الأول".
ويمضي الأستاذ أحمد معددا التهديدات الموجهة للأساتذة قائلا "أرسلت رسالة إلى أستاذ آخر على شكل شهادة وفاة أصلية ومختومة بختم إحدى المستشفيات الكبيرة في بغداد، وعلى شهادة الوفاة تلك اسم الأستاذ، وهي تهديد بالقتل كما تلاحظ"، ويضيف "لا أدري كيف تمكنوا من الحصول على شهادة الوفاة الأصلية المختومة بختم المستشفى".

ويورد قصة "أستاذ آخر تعرض إلى عملية غريبة، حيث تم زرع قنبلة في بيته، ومعها ورقة تنصحه بأن يقوم بتعديل درجات الطلبة قبل الامتحانات النهائية، حتى يتمكنوا من النجاح في الدور الأول.

أما الأستاذ "ف . ح"، الذي رفض الكشف عن اسمه، خشية تعرضه لمثل تلك العمليات، وهو أستاذ في كلية التربية للبنات فقال "كنا نعتقد نحن أساتذة كليات البنات أننا في منآى عما نسمعه من زملاء في الكليات المختلطة، من وصول تهديدات لهم، أو تعرضهم لمحاولات اغتيال على يد الطلبة، لأننا كنا نعتقد أن البنات المعروفات برقتهن، بعيدات كل البعد عن تلك التصرفات، لأسباب عدة، غير أننا اكتشفنا بأننا مخطئون، فقد وصلت تهديدات إلى عدد من أساتذة الكلية من قبل الطالبات، تحذرهم فيها من أشياء شتى، منها أن أحد الأساتذة وصلته رسالة تقول فيها المرسلة إنه إذا تمادى في عدم احترام آل البيت، فإن القتل سيكون مصيره، وأستاذ آخر وصلته رسالة تنصحه فيها مرسلتها بأن يكون منصفا في وضع الدرجات، وأن يراعي الظرف الذي يعيشه البلد، وإلا فإن الرسوب إذا ما حصل للطالبات في الامتحانات النهائية، فإنه سيقتل، دون أن يعرف أحد، وغيرها الكثير من رسائل التهديد والوعيد، التي وصلت إلى الأساتذة من قبل طالبات".

ويرى عدد من أساتذة الجامعات أن الوضع الأمني المتدهور، وغياب سلطة القانون، وعدم وجود الرادع لمثل تلك الحالات، شجع كثيرا على تفشي تلك الظواهر البعيدة كل البعد عن المجتمع العراقي والغريبة عنه، حيث كان الأستاذ يعد مفخرة ورمزا للعلم والمعرفة، وكان يحظى باحترام الجميع، وعلى رأسهم الطلبة. وقال عدد كبير من الأساتذة لمراسل "قدس برس" إن تشجيع بعض الأحزاب والجماعات الدينية للطلبة على مثل هذا السلوك كان له أثره الكبير في تفشي تلك الظواهر واستفحالها.

فرض الحجاب ومنع السفور!

وبعيدا عن ظاهرة تهديد الأساتذة بالقتل أو الاغتيال أو الاختطاف، فإن ظاهرة جديدة أطلت برأسها في المجتمع الطلابي في العراق، وهي ظاهرة توزيع البيانات، التي تهدد الطالبات بضرورة الالتزام بالحجاب، وإلا فإن مصيرهن سيكون القتل.

وفي هذا الصدد تقول الطالبة إيناس الشريفي من كلية الآداب في الجامعة المستنصرية "لقد قرأت بعض البيانات التي تحذر الطالبات السافرات بضرورة ارتداء الحجاب، وإلا فإنهن سيلقين عذاب الجحيم والموت، واستغربت كيف يفكر هؤلاء؟ وهل أن الحجاب يفرض بهذه الطريقة؟".

وتضيف "أنا محجبة والحمد لله، غير أني أرفض مثل تلك التصرفات، التي أدت بالكثير من زميلاتي إلى الاعتكاف في بيوتهن وترك الدراسة هذا العام". وقالت "صحيح أن السفور أمر غير مرغوب فيه في مجتمعاتنا الإسلامية، غير أنني أرفض أن يفرض الحجاب بهذا الشكل.. أعتقد أن من يقوم بمثل هذه التصرفات، ويوزع مثل هذه البيانات هم الطلبة الذين ينتمون إلى التيار الديني المتشدد، ممثلا في حركات شعوبية وافدة إلى العراق من الخارج"، بحسب ما قالت.

جولة سريعة في بعض الكليات العراقية تجعلك تدرك حجم الهوة السحيقة التي وقع فيها التعليم الجامعي في العراق. فبعد أن كانت الجامعات تضج بالحركة وبالطلبة من شتى بلدان الوطن العربي، يتلقون تعليمهم مثلهم مثل أي عراقي، وبعد أن كانت الجامعات العراقية مضرب المثل، من حيث الالتزام والروح العلمية، صارت اليوم على شفا جرف هار، وصار التعليم فيها أكبر ضحية لانحطاط الأخلاق، وانتشار الفوضى الأمنية، والتوظيف السياسي للمؤسسة الجامعية، وشعور الأساتذة بأفول عصرهم الذهبي، وتراجع الاهتمام بالعلم والعلماء.

ومع الاحتلال، وبالإضافة للسلبيات سالفة الذكر، فإن الطين زاد بلة في ظل انتشار المخدرات والأفلام والمجلات الإباحية، التي صارت تجد لها سوقا رائجة في الجامعة العراقية، وصار يتبادلها الطلبة جهارا نهارا، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، حتى ليتساءل المرء بحسرة: هل هذا هو الإصلاح المطلوب لعالمنا العربي والمسلم، الذي تعدنا به خطة "الشرق الأوسط الكبير"، التي يعتبر العراق الخطوة الأولى في مسارها الطويل.. منقول

http://www.qudspress.com/data/aspx/d16/5766.aspx