حقاني
07-09-2005, 10:20 AM
ما هو معنى "النصر" في العراق؟!
لويس ام سايمون
ذهبت الى فيتنام في يوليو 1967 للعمل كمراسل لوكالة الاسوشيتد بريس. ولم يحتج مني الامر انذاك سوى شهور قليلة كي ادرك ان السلطات الامريكية هناك كانت تمدنا بوجبة يومية من الاكاذيب. والان وبعد ان قمت بتغطية العديد من الحروب فانني مررت بتجربة حديثة في بغداد ذكرتني بشكل غريب بتجربتي الفيتنامية.
ففي بغداد ,2005 كما في سايجون منذ اربعة عقود, وجدت حكومتي تقول لي نفس الكلام تقريبا وهو: ضرورة مواصلة المهمة حتى النهاية لاستئصال الخطر الارهاب هذه المرة وليس الشيوعية الذي يهدد بالانتشار في جسم الديمقراطيات الغربية.
لقد ذهبت الى بغداد بموجب تكليف من مجلة ناشيونال جيوغرافيك وكنت مقتنعا قبل ان اتي الى هنا, ان تلك الحرب خطأ من الاساس. ومنذ ان حططت رحلي في بغداد وجدت نفسي معزولا خلف طبقات من الحواجز الاسمنتية التي يبلغ سمكها 12 قدما ولا يمكن ان يفكر اي امريكي عاقل في ان يذهب الى ما وراءها الا برفقة حراسة مسلحة وادركت, وانا هناك اننا لن نتمكن من تحقيق النصر في العراق.
ولكن ما الذي يعنيه النصر في العراق في الاساس ? ان ننجح في تحقيق مجتمع ديمقراطي تكون له حرية انتخاب حكومة اسلامية اصولية مناوئة لامريكا وموالية لايران? ان نسيطر على بلد يمتلئ بحقول النفط المتدفق الذي تذهب ارباحه في النهاية لشركات النفط العالمية? هل هذا هو ما يعنيه النصر?
لقد اخطانا عندما دخلنا هذا البلد واخشى الا تكون هناك طريقة مشرفة للخروج منه.
وفي فيتنام في الستينيات, لم نكن ندرك ايضا ما يعنيه النصر. لم نكن نعرف من هو العدو, وما هي اهدافه, وما المدى الذي يمكن ان يذهب اليه من اجل تحقيق تلك الاهداف? نفس الامر ينطبق على العراق: فنحن لا نعرف لماذا دخلنا الى هناك بالضبط, كما لا نعرف ما يريده العراقيون بالضبط ولا ما ذا نفعل, وكيف نخرج, بل والمؤسف انه ليس لدينا احصاء دقيق لخسائر العدو سواء من المتمردين او المدنيين.
ان المفجرين الانتحاريين اليوم يمثلون بالنسبة لنا ما كان ثوار الفيت كونج يمثلونه لنا في حرب فيتنام. فنحن نستطيع ان نخرجهم من مخابئهم وان نصطادهم ونقتلهم ولكن ماذا ستكون النتيجة? النتيجة نراها واضحة امامنا الان, وهي ان العالم وليس الشرق الاوسط قد اصبح يضم المزيد من هؤلاء الشبان الغاضبين الشاعرين بالنبذ والاقصاء والذين لا يمتلكون شيئا يخافون عليه.
ان الدليل على انه لا يوجد حل عسكري للمأزق الامريكي في العراق ، يمكننا ان نتبينه بوضوح من خلال الاطلاع على تفاصيل الرحلة التي قمت بها الى بغداد. فلقد ركبت الطائرة من عمان عاصمة الاردن الى بغداد. ولدى اقترابنا من مطارها قال لنا الطيار انه سيهبط بطريقة قد تسبب ازعاجا لنا ولكنه مضطر لذلك حتى يتلافى خطر الصواريخ الباحثة عن مصدر للحرارة. بعد ذلك اخبرنا المسؤولون هناك اننا لن نتمكن من المغادرة مباشرة لاسباب امنية وتم وضعنا في خيمة مجهزة بكل وسائل الراحة ومكيفة الهواء.
وفي الساعة الثالثة فجرا قام جندي باضاءة انوار الخيمة الكهربائية وامرنا بالنهوض ولبس رداء واقياً من الرصاص. وعندما خرجنا من الخيمة وجدنا امامنا ثلاث حافلات مدرعة تدريعا ثقيلا طُلب منا الصعود اليها. وبعد ذلك تحركت تلك الحافلات تحت حراسة ست عربات مدرعة من نوع همفي ثلاث امامها وثلاث خلفها, بينما راحت طائرة هليكوبتر من نوع بلاك هوك تهدر فوقها. مرة اخرى ذكرني ذلك بما كان يحدث في فيتنام حيث كان الجنود الامريكيون يقولون لنا ان الليل ملك للفيت كونج.. لقد تعجبت اشد العجب من اننا وبعد سنتين ونصف في العراق غير قادرين على تامين الطريق الوحيد الذي يربط المطار بقيادتنا, وهو ما جعلني ادرك اننا لا نسيطر على الكثير من الاشياء هناك, وان خسائرنا تزداد يوما بعد يوم, واننا في مازق حقيقي. اذن ما الحل? وكيف الخروج من هذا المازق: هل نعمل على تقليل خسائرنا البشرية والمادية ونرحل? ام نصمم على البقاء.. واذا ما فعلنا ذلك فكم نبقى?
خير ما يمكن ان نفعله من وجهة نظري هو ان يقوم الرئيس بوش خلال فترة قصيرة بالاعلان عن عودة عدة الاف من الجنود الامريكيين الى الوطن لاتاحة الفرصة للعراقيين للاضطلاع بامنهم بانفسهم وهو ذات ما فعلناه في السبعينيات وكان يطلق عليه انذاك "الفتنمة".
بعد ذلك سوف نحسن صنعا, اذا ما قمنا بانفاق اموال دافعي الضرائب الامريكيين على تعليم اجيال جديدة من العراقيين, وتعليم ورفاهية الملايين من المسلمين الشباب في كل انحاء العالم, بدلا من انفاق تلك الاموال الطائلة على ادامة وجودنا العسكري هنا الذي لن يؤدي الا الى مفاقمة الاوضاع, وزيادة التمرد وزيادة خسائرنا المادية والبشرية.
وبعد ان نقوم بذلك علينا ان نعتمد على ان جاذبية النموذج الديمقراطي الذي نحاول بناءه في العراق, وجاذبية النظام الراسمالي الامريكي بشكل عام سوف تؤديان تدريجيا الى تحول العراق الى دولة نشطة وحيوية وتعج بالحياة في النهاية.. كما حدث في فيتنام.
ففي الشهر الماضي تحديدا استقبل الرئيس بوش رئيس الوزراء الفيتنامي في البيت الابيض ووعده بتدعيم التجارة والتعاون بين البلدين.
ما الذي يحدث لو لم نطبق ذلك الدرس على العراق? الذي سيحدث كما قال لي دبلوماسي امريكي في السفارة الامريكية في بغداد انه اذا ما كانت واشنطن مصممة فعلا على البقاء حتى يتم ترسيخ الديمقراطية في العراق وفقا للسياسات الحالية, فان ذلك سوف يتطلب منها جيلين من الجنود المحاربين اي 40 عاما. وعلى ما يبدو ان الادارة الامريكية تقوم بتوريث هذه الورطة لاحفادنا.
لويس ام سايمون
ذهبت الى فيتنام في يوليو 1967 للعمل كمراسل لوكالة الاسوشيتد بريس. ولم يحتج مني الامر انذاك سوى شهور قليلة كي ادرك ان السلطات الامريكية هناك كانت تمدنا بوجبة يومية من الاكاذيب. والان وبعد ان قمت بتغطية العديد من الحروب فانني مررت بتجربة حديثة في بغداد ذكرتني بشكل غريب بتجربتي الفيتنامية.
ففي بغداد ,2005 كما في سايجون منذ اربعة عقود, وجدت حكومتي تقول لي نفس الكلام تقريبا وهو: ضرورة مواصلة المهمة حتى النهاية لاستئصال الخطر الارهاب هذه المرة وليس الشيوعية الذي يهدد بالانتشار في جسم الديمقراطيات الغربية.
لقد ذهبت الى بغداد بموجب تكليف من مجلة ناشيونال جيوغرافيك وكنت مقتنعا قبل ان اتي الى هنا, ان تلك الحرب خطأ من الاساس. ومنذ ان حططت رحلي في بغداد وجدت نفسي معزولا خلف طبقات من الحواجز الاسمنتية التي يبلغ سمكها 12 قدما ولا يمكن ان يفكر اي امريكي عاقل في ان يذهب الى ما وراءها الا برفقة حراسة مسلحة وادركت, وانا هناك اننا لن نتمكن من تحقيق النصر في العراق.
ولكن ما الذي يعنيه النصر في العراق في الاساس ? ان ننجح في تحقيق مجتمع ديمقراطي تكون له حرية انتخاب حكومة اسلامية اصولية مناوئة لامريكا وموالية لايران? ان نسيطر على بلد يمتلئ بحقول النفط المتدفق الذي تذهب ارباحه في النهاية لشركات النفط العالمية? هل هذا هو ما يعنيه النصر?
لقد اخطانا عندما دخلنا هذا البلد واخشى الا تكون هناك طريقة مشرفة للخروج منه.
وفي فيتنام في الستينيات, لم نكن ندرك ايضا ما يعنيه النصر. لم نكن نعرف من هو العدو, وما هي اهدافه, وما المدى الذي يمكن ان يذهب اليه من اجل تحقيق تلك الاهداف? نفس الامر ينطبق على العراق: فنحن لا نعرف لماذا دخلنا الى هناك بالضبط, كما لا نعرف ما يريده العراقيون بالضبط ولا ما ذا نفعل, وكيف نخرج, بل والمؤسف انه ليس لدينا احصاء دقيق لخسائر العدو سواء من المتمردين او المدنيين.
ان المفجرين الانتحاريين اليوم يمثلون بالنسبة لنا ما كان ثوار الفيت كونج يمثلونه لنا في حرب فيتنام. فنحن نستطيع ان نخرجهم من مخابئهم وان نصطادهم ونقتلهم ولكن ماذا ستكون النتيجة? النتيجة نراها واضحة امامنا الان, وهي ان العالم وليس الشرق الاوسط قد اصبح يضم المزيد من هؤلاء الشبان الغاضبين الشاعرين بالنبذ والاقصاء والذين لا يمتلكون شيئا يخافون عليه.
ان الدليل على انه لا يوجد حل عسكري للمأزق الامريكي في العراق ، يمكننا ان نتبينه بوضوح من خلال الاطلاع على تفاصيل الرحلة التي قمت بها الى بغداد. فلقد ركبت الطائرة من عمان عاصمة الاردن الى بغداد. ولدى اقترابنا من مطارها قال لنا الطيار انه سيهبط بطريقة قد تسبب ازعاجا لنا ولكنه مضطر لذلك حتى يتلافى خطر الصواريخ الباحثة عن مصدر للحرارة. بعد ذلك اخبرنا المسؤولون هناك اننا لن نتمكن من المغادرة مباشرة لاسباب امنية وتم وضعنا في خيمة مجهزة بكل وسائل الراحة ومكيفة الهواء.
وفي الساعة الثالثة فجرا قام جندي باضاءة انوار الخيمة الكهربائية وامرنا بالنهوض ولبس رداء واقياً من الرصاص. وعندما خرجنا من الخيمة وجدنا امامنا ثلاث حافلات مدرعة تدريعا ثقيلا طُلب منا الصعود اليها. وبعد ذلك تحركت تلك الحافلات تحت حراسة ست عربات مدرعة من نوع همفي ثلاث امامها وثلاث خلفها, بينما راحت طائرة هليكوبتر من نوع بلاك هوك تهدر فوقها. مرة اخرى ذكرني ذلك بما كان يحدث في فيتنام حيث كان الجنود الامريكيون يقولون لنا ان الليل ملك للفيت كونج.. لقد تعجبت اشد العجب من اننا وبعد سنتين ونصف في العراق غير قادرين على تامين الطريق الوحيد الذي يربط المطار بقيادتنا, وهو ما جعلني ادرك اننا لا نسيطر على الكثير من الاشياء هناك, وان خسائرنا تزداد يوما بعد يوم, واننا في مازق حقيقي. اذن ما الحل? وكيف الخروج من هذا المازق: هل نعمل على تقليل خسائرنا البشرية والمادية ونرحل? ام نصمم على البقاء.. واذا ما فعلنا ذلك فكم نبقى?
خير ما يمكن ان نفعله من وجهة نظري هو ان يقوم الرئيس بوش خلال فترة قصيرة بالاعلان عن عودة عدة الاف من الجنود الامريكيين الى الوطن لاتاحة الفرصة للعراقيين للاضطلاع بامنهم بانفسهم وهو ذات ما فعلناه في السبعينيات وكان يطلق عليه انذاك "الفتنمة".
بعد ذلك سوف نحسن صنعا, اذا ما قمنا بانفاق اموال دافعي الضرائب الامريكيين على تعليم اجيال جديدة من العراقيين, وتعليم ورفاهية الملايين من المسلمين الشباب في كل انحاء العالم, بدلا من انفاق تلك الاموال الطائلة على ادامة وجودنا العسكري هنا الذي لن يؤدي الا الى مفاقمة الاوضاع, وزيادة التمرد وزيادة خسائرنا المادية والبشرية.
وبعد ان نقوم بذلك علينا ان نعتمد على ان جاذبية النموذج الديمقراطي الذي نحاول بناءه في العراق, وجاذبية النظام الراسمالي الامريكي بشكل عام سوف تؤديان تدريجيا الى تحول العراق الى دولة نشطة وحيوية وتعج بالحياة في النهاية.. كما حدث في فيتنام.
ففي الشهر الماضي تحديدا استقبل الرئيس بوش رئيس الوزراء الفيتنامي في البيت الابيض ووعده بتدعيم التجارة والتعاون بين البلدين.
ما الذي يحدث لو لم نطبق ذلك الدرس على العراق? الذي سيحدث كما قال لي دبلوماسي امريكي في السفارة الامريكية في بغداد انه اذا ما كانت واشنطن مصممة فعلا على البقاء حتى يتم ترسيخ الديمقراطية في العراق وفقا للسياسات الحالية, فان ذلك سوف يتطلب منها جيلين من الجنود المحاربين اي 40 عاما. وعلى ما يبدو ان الادارة الامريكية تقوم بتوريث هذه الورطة لاحفادنا.